ومنهم من يقول: نحن مخيرون في الاخذ بأي القولين شئنا، ويجرى ذلك مجرى خبرين تعارضا، ولا يكون لأحدهما مزية على الاخر، فانا نكون مخيرين في العمل بهما، وهذا الذي يقوى في نفسي.
ومتى قيل بالمذهب الأول، فمتى فرض اجماعهم بعد ذلك على أحد القولين كان جائزا، ويعلم باجماعهم صحة ذلك القول، وان الاخر لم يكن صحيحا، ووجب المصير إلى ما اجمعوا عليه.
ومتى قلنا بالمذهب الأخير، لم يجز أن يجمعوا على أحد القولين، لأنهم لو اجمعوا على أحدهما لدل ذلك على أن القول الاخر باطل، وقد قلنا انهم مخيرون في العمل بأيهما شاءوا، واجماعهم على أحدهما ينقض ذلك.
ولسنا ممن يقول: انهم يقولون بالقولين اجتهادا ثم يؤدى اجتهادهم إلى أحد القولين فيجمعوا عليه، لان ذلك انما يصح على مذهب من يقول بالاجماع، ولم يراع قول المعصوم الذي نراعيه (1).
فاما إذا اجمعوا على قول، فلا يجوز أن يراعى الخلاف الذي يحدث بعده، لان بالاجماع الأول علم قول المعصوم في تلك المسألة، وإذا علم علم أنه هو الحجة، فكل قول يخالفه يجب أن يحكم بفساده.
وكذلك إذا اجمعوا على قولين، فاحداث القول الثالث والرابع ينبغي أن يكون فاسدا، لان قول المعصوم موافق للقولين، والقول الثالث والرابع بخلافه، فينبغي أن يحكم بفساده.
ولا يجوز أن تجمع الأمة على مسألتين مخطئة فيهما، لا على مذهبنا ولا على مذهب من خالفنا:
فاما على مذهبنا: فلانه لابد أن يكون قول الإمام مع أحدهما، ولا يجوز مع ذلك أن يكون خطأ.