نعتبر قول من عرفناه، لأنا نعلم أنه ليس فيهم الامام المعصوم الذي قوله حجة.
فان كان في الفريقين أقوام لا نعرف أعيانهم، ولا أنسابهم وهم مع ذلك مختلفون، كانت المسألة من باب ما نكون فيها مخيرين بأي القولين شئنا أخذنا، ويجرى ذلك مجرى الخبرين المتعارضين الذي لا ترجيح لأحدهما على الاخر على ما مضى القول فيما تقدم.
وانما قلنا ذلك، لأنه لو كان الحق في أحدهما لوجب أن يكون مما يمكن الوصول إليه، فلما لم يكن دل على أنه من باب التخيير.
ومتى فرضنا أن يكون الحق في واحد من الأقوال، ولم يكن هناك ما يميز ذلك القول من غيره، فلا يجوز للامام المعصوم الاستتار ووجب عليه ان يظهر ويبين الحق في تلك المسألة، أو يعلم بعض ثقاته الذين يسكن إليهم الحق من تلك الأقوال حتى يؤدى ذلك إلى الأمة، ويقترن بقوله علم معجز يدل على صدقه، لأنه متى لم يكن كذلك لم يحسن التكليف.
وفي علمنا ببقاء التكليف وعدم ظهوره، أو ظهور من يجرى مجراه دليل على أن ذلك لم يتفق.
فان قيل: بجواز ان يختلف الامامية على قولين يكون أحد القولين قول الإمام والباقون قولهم على خلافه، ومتى أجزتم ذلك كان في ذلك تعيين الامام وتمييزه وذلك لا تقولونه! وان امتنعتم من ذلك قيل لكم: وما المانع من ذلك؟
قيل: الذي نقول في ذلك أنه لا يمتنع ما فرض في السؤال على وجه، ويمتنع على وجه، فالجائز من ذلك هو أن يجمع كل من عدا الامام على قول إذا لم نعرفهم كلهم بأسمائهم، ونجوز أن يكون الامام فيهم ومن جملتهم، ونجوز أيضا مع ذلك أن يكون المنفرد الذي قال بالقول الأخير - وهذا لا يؤدى إلى العلم - بعين الامام وتمييزه.
والذي لا يجوز، أن تكون الجماعة الذين خالفوا الواحد معروفين بأسمائهم وأنسابهم، لأنه متى كان كذلك علم به ان الامام هو الاخر، وذلك ينافي غيبته عليه