الوجوب، علمناه واجبا "، فهو ان من علم بالعقل رد الوديعة مع المطالبة علم وجوبه، ومتى لم يعلم ذلك لم يعلم وجوبه، وكذلك من علم الفعل ظلما على قبحه، فان شك في كونه ظلما لم يعلم القبح، وكما وجب هذا، فهكذا أيضا متى علم كون الفعل الذي هو رد الوديعة واجبا علمه رد للوديعة، فتعلق كل واحد من الامرين بصاحبه (1) كتعلق صاحبه به.
فان قيل: من أين قلتم: ان الواجبات في الشرع لا تجب الا لكونها ألطافا؟ ثم من أين قلتم: ان ذلك لا يعلم من حالها الا بالسمع ليتم ما ذكرتموه؟
قلنا: لان وجوبها إذا ثبت وكان لابد له من وجه لم يخل من القسمين اللذين قدمناهما، وهما اما صفة يختص الفعل ولا يتعداه، أو لتعلقه بغيره على وجه اللطف، وليس يجوز في الشرعيات الوجه الأول، لأنه لو وجبت لصفة تخصها تجري مجرى رد الوديعة في أنه وجه الوجوب، لوجوب أن يعلم (على) (2) تلك الصفة، ويعلم وجوبها متى علمناها، لأنه لا يصح ان يجب لصفة تختص بها ولا تختص بها، ولا يصح أيضا أن يعلم علتها ولا يعلم وجوبها، وقد علمنا أن الصلاة وسائر الشرعيات يعلم بالعقل صفاتها، وان لم يعلم وجوبها، فدل ذلك على بطلان القسم الأول ولم يبق الا الثاني.
وإذا ثبت انها تجب للألطاف، ولم يكن في العقل (3) دليل على أن وقوع بعض الأفعال منا، نختار عنده فعلا آخر، لان العقل لا يدل على ما يختاره الانسان أو لا يختاره، ولأن دلالة العقل أيضا طريقتها واحدة ولم يصح ان يدل على الشئ ونفيه، والحكم وضده - كما تراه في الشرائع - من اختلاف المكلفين، والناسخ والمنسوخ، فلم يبق الا ان الطريق إليها السمع، ولولا ما ذكرناه لما احتيج في معرفة المصالح الشرعية إلى بعثة الأنبياء عليهم السلام.