لا يقوى عليه الانسان وما ذاك الا لجهله بالله سبحانه وكيفية استنبائه «وإني لأظنه كاذبا» فيما يدعيه من الرسالة أي ومثل ذلك التزيين البليغ المفرط «زين لفرعون سوء عمله» فانهمك فيه انهماكا لا يرعوي عنه بحال «وصد عن السبيل» أي سبيل الرشاد والفاعل في الحقيقة هو الله تعالى ويؤيده قراءة زبن بالفتح وبالتوسط لشيطان وقرئ وصد على ان فرعون صد الناس عن الهدى بأمثال هذه التمويهات والشبهات ويؤيده قوله تعالى «وما كيد فرعون إلا في تباب» أي خسار وهلاك أو على انه من صد صدودا أي اعرض وقرئ بكسر الصاد على نقل حركة الدال اليه وقرئ وصد على انه عطف على سوء عمله وقرئ وصدوا أي هو وقومه «وقال الذي آمن» أي مؤمن آل فرعون وقيل موسى عليه السلام «يا قوم اتبعون» فيما دللتكم عليه «أهدكم سبيل الرشاد» أي سبيلا يصل سالكه إلى المقصود وفيه تعريض بأن ما يسلكه فرعون وقومه سبيل الغي والضلال «يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع» أي تمتع يسير لسرعة زوالها أجمل لهم أولا ثم فسر فافتتح بذم الدنيا وتصغير شأنها لان الاخلاد إليها راس كل شر ومنه تتشعب فنون ما يؤدي إلى سخط الله تعالى ثم ثنى بتعظيم الآخرة فقال «وإن الآخرة هي دار القرار» لخلودها ودوام ما فيها «من عمل» في الدنيا «سيئة فلا يجزى» في الآخرة «إلا مثلها» عدلا من الله سبحانه وفيه دليل على ان الجنايات تغرم بأمثالها «ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك» الذين عملوا ذلك «يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب» أي بغير تقدير وموازنة بالعمل بل اضعافا مضاعفة فضلا من الله عز وجل ورحمة وجعل العمل عمدة والايمان حالا للايذان بأنه لا عبرة بالعمل بدونه وان ثوابه أعلى من ذلك «ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار» كرر نداءهم إيقاظا لهم عن سنة الغفلة واعتناء بالمنادي له ومبالغة في توبيخهم على ما يقالون به نصحه ومدار التعجب الذي يلوح الاستفهام دعوتهم إياه إلى النار ودعوته إياهم إلى النجاة كأنه قيل أخبروني كيف هذه الحال أدعوكم إلى الخير وتدعونني إلى الشر وقد جعله بعضهم من قبيل مالي أراك حزينا وقوله تعالى «تدعونني لأكفر بالله» بدل أو بيان فيه تعليل والدعاء كالهداية في التعدية بإلى واللام «وأشرك به ما ليس لي به علم» بشركته له تعالى في المعبودية وقيل بربوبيته «علم» والمراد نفي المعلوم والاشعار بأن الألوهية لا بد لها من برهان موجب
(٢٧٧)