النفي كما ينبئ عنه ما بعده أي شكرا قليلا أو زمانا قليلا تشكرون وفي حكاية أحوال الانسان من مبدأ فطرته إلى نفخ الروح فيه بطريق الغيبة وحكاية أحواله بعد ذلك بطريق الخطاب المنبىء عن استعداده للفهم وصلاحيته له من الجزالة مالا غاية وراءه «وقالوا» كلام مستأنف مسوق لبيان أباطيلهم بطريق الالتفات ايذانا بأن ما ذكر من عدم شكرهم بتلك النعم موجب للاعراض عنهم وتعديد جناياتهم لغيرهم بطريق المباثة «أئذا ضللنا في الأرض» أي صرنا ترابا مخلوطا بترابها بحيث لا نتميز منه أو غبنا فيها بالدفن وقرئ ضللنا بكسر اللام من باب علم وصللنا بالصاد المهملة من صل اللحم إذا أنتن وقيل من الصلة وهي الأرض أي صرنا من جنس الصلة قيل القائل أبي بن خلف ولرضاهم بقوله اسند القول إلى الكل والعامل في إذا ما يدل عليه قوله تعالى «أئنا لفي خلق جديد» وهو نبعث أو يجدد خلقنا والهمزة لتذكير الانكار السابق وتأكيده وقرئ انا على الخبر وأيا ما كان فالمعنى على تأكيد الانكار لا انكار التأكيد كما هو المتبادر من تقدم الهمزة على ان فإنها مؤخرة عنها في الاعتبار وانما تقديمها عليها لاقتضائها الصدارة «بل هم بلقاء ربهم كافرون» اضراب وانتقال من بيان كفرهم بالبعث إلى بيان ما هو أبلغ وأشنع منه وهو كفرهم بالوصول إلى العاقبة وما يلقونه فيها من الأحوال والأهوال جميعا «قل» بيانا للحق وردا على زعمهم الباطل «يتوفاكم ملك الموت» لا كما تزعمون أن الموت من الأحوال الطبيعية العارضة للحيوان بموجب الجبلة أي يقبض أرواحكم بحيث لا يدع فيكم شيئا أو لا يترك منكم أحدا على أشد ما يكون من الوجوه وأفظعها من ضرب وجوهكم وأدباركم «الذي وكل بكم» أي بقبض أرواحكم واحصاء آجالكم «ثم إلى ربكم ترجعون» بالبعث للحساب والجزاء «ولو ترى إذ المجرمون» وهم القائلون ائذا ضللنا في الأرض الآية أو جنس المجرمين وهم من جملتهم «ناكسو رؤوسهم عند ربهم» من الحياء والخزي عند ظهور قبائحهم التي اقترفوها في الدنيا «ربنا» أي يقولون ربنا «أبصرنا وسمعنا» أي صرنا ممن يبصر ويسمع وحصل لنا الاستعداد لادراك الآيات المبصرة والآيات المسموعة وكنا من قبل عميا وصما لا ندرك شيئا «فارجعنا» إلى الدنيا «نعمل» عملا «صالحا» حسبما تقتضيه تلك الآيات وقوله تعالى «إنا موقنون» ادعاء منهم لصحة الأفئدة والاقتدار على فهم معاني الآيات والعمل بموجبها كما ان ما قبله ادعاء لصحة مشعري البصر والسمع كأنهم قالوا وأيقنا وكنا من قبل لا نعقل شيئا أصلا وانما عدلوا إلى الجملة الاسمية المؤكدة اظهارا لثباتهم على الايقان وكمال رغبتهم فيه وكل ذلك للجد في الاستدعاء طمعا في الإجابة إلى ما سألوه
(٨٢)