فإن الاحسان عين التصوير أي صوركم أحسن تصوير حيث خلقكم منتصب القامة بادي البشرة متناسب الأعضاء والتخطيطات متهيئا لمزاولة الصنائع واكتساب الكمالات «ورزقكم من الطيبات» أي اللذائذ «ذلكم» الذي بغت بما ذكر من النعوت الجليلة «الله ربكم» خبران لذلكم «فتبارك الله» أي تعالى بذاته «رب العالمين» أي مالكهم ومربيهم والكل تحت ملكوته مفتقر اليه في ذاته ووجوده وسائر أحواله جميعا بحيث لو انقطع فيضه عنه آنا لانعدم بالكلية «هو الحي» المتفرد بالحياة الذاتية الحقيقية «لا إله إلا هو» إذ لا موجود يدانيه في ذاته وصفاته وافعاله «فادعوه» فاعبدوه خاصة لاختصاص ما يوجبه به تعالى «مخلصين له الدين» أي الطاعة من الشرك الجلي والخفي «الحمد لله رب العالمين» أي قائلين ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما من قال لا اله الا الله فليقل على اثرها الحمد لله رب العالمين «قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي» من الحجج والآيات أو من الآيات لكونها مؤيدة لأدلة العقل منبهة عليها فإن الآيات التنزيلية مفسرات للآيات التكوينية الآفاقية والأنفسية «وأمرت أن أسلم لرب العالمين» أي بأن انقاد له واخلص له ديني «هو الذي خلقكم من تراب» أي في ضمن خلق آدم عليه الصلاة والسلام منه حسبما مر تحقيقه مرارا «ثم من نطفة» أي ثم خلقكم خلقا تفصيليا من نطفة أي مني «ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا» أي أطفالا والافراد لإرادة الجنس أو لإرادة كل واحد من افراده «ثم لتبلغوا أشدكم» علة ليخرجكم معطوفه على علة أخرى له مناسبة لها كأنه قيل ثم يخرجكم طفلا لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا كمالكم في القوة والعقل وكذا الكلام في قوله تعالى «ثم لتكونوا شيوخا» ويجوز عطفه على لتبلغوا وقرئ شيخا كقوله تعالى طفلا «ومنكم من يتوفى من قبل» أي من قبل الشيخوخة بعد بلوغ الأشد أو قبله أيضا «ولتبلغوا» متعلق بفعل مقدر بعده أي ولتبلغوا «أجلا مسمى» هو وقت الموت أو يوم القيامة بفعل ذلك «ولعلكم تعقلون» ولكي تعقلوا ما في ذلك من فنون الحكم والعبر «هو الذي يحيي» الأموات «ويميت» الاحياء أو الذي يفعل الاحياء والأمانة «فإذا قضى أمرا» أي أراد امرا من الأمور «فإنما يقول له كن فيكون» من غير توقف على شيء من الأشياء أصلا وهذا تمثيل لتأثير قدرته في المقدورات عند تعلق ارادته بها وتصوير لسرعة
(٢٨٣)