ويسقط بالياء لقوله تعالى افترى على الله وكسفا بسكون السين «إن في ذلك» أي فيما ذكر من السماء والأرض من حيث إحاطتهما بالناظر من جميع الجوانب أو فيما تلى من الوحي الناطق بما ذكر «لآية» واضحة «لكل عبد منيب» شأنه الإنابة إلى ربه فإنه إذا تأمل فيهما أو في الوحي المذكور ينزجر عن تعاطى القبائح وبنيب إليه تعالى وفيه حث بليغ على التوبة والإنابة وقد أكد ذلك بقوله تعالى «ولقد آتينا داود منا فضلا» أي آتيناه لحسن إنابته وصحة توبته فضلا على سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أي نوعا من الفضل وهو ما ذكر بعد فإنه معجزة خاصة به صلى الله عليه وسلم أو على سائر الناس فيندرج فيه النبوة والكتاب والملك والصوت الحسن فتنكيره للتفخيم ومنا لتأكيد فخامته الذاتية بفخامته الإضافية كما في قوله تعالى وآتيناه من لدنا علما وتقديمه على المفعول الصريح للاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر فإن ما حقه التقديم إذا اخر تقى النفس مترقبة له فإذا وردها يتمكن عندها فضل تمكن «يا جبال أوبي معه» من التأويب أي رجعي معه التسبيح أو النوحة على الذنب وذلك اما بأن يخلق الله تعالى فيها صوتا مثل صوته كما خلق الكلام في الشجرة أو بأن يتمثل له ذلك وقرئ أوبي من الأوب أي ارجعي معه في التسبيح كلما رجع فيه وكان كلما سبح عليه الصلاة والسلام يسمع من الجبال ما يسمع من المسبح معجزة له عليه الصلاة والسلام وقيل كان ينوح على ذنبه بترجيع وتحزين وكانت الجبال تسعده على نوحه بأصدائها والطير بأصواتها وهو بدل من آتينا بإضمار قلنا أو من فضلا بإضمار قولنا والطير بالنصب عطفا على فضلا بمعنى وسخرنا له الطير لان إيتاءها إياه عليه الصلاة والسلام تسخيرها له فلا حاجة إلى اضماره كما نقل عن الكسائي ولا إلى تقدير مضاف أي تسبيح الطير كما نقل عنه في رواية وقيل عطفا على محل الجبال وفيه من التكلف لفظا ومعنى مالا يخفي وقرئ بالرفع عطفا على لفظها تشبيها للحركة البنائية العارضة بالحركة الاعرابية وقد جوز انتصابه على انه مفعول معه والأول هو الوجه وفي تنزيل الجبال والطير منزلة العقلاء المطيعين لامره تعالى المذعنين لحكمه المشعر بأنه ما من حيوان وجماد وصامت وناطق الا وهو منقاد لمشيئته غير ممتنع على ارادته من الفخامة المعربة عن غاية عظمه شأنه تعالى وكمال كبرياء سلطانه مالا يخفي على أولى الألباب «وألنا له الحديد» أي جعلناه لينا في نفسه كالشمع يصرفه في يده كيف يشاء من غير إحماء بنار ولا ضرب بمطرقة أو جعلناه بالنسبة إلى قوته التي آتيناها إياه لينا كالشمع بالنسبة إلى سائر القوى البشرية ان اعمل امرناه ان اعمل على ان ان مصدرية حذف عنها الباء وفي حملها على المفسرة تكلف لا يخفي سابغات واسعات وقرئ صابغات وهي الدروع الواسعة الضافية وهو عليه الصلاة والسلام أول من اتخذها وكانت قبل صفائح قالوا كان عليه الصلاة والسلام حين ملك على بني إسرائيل يخرج متنكر فيسأل الناس ما تقولون في داود فيثنون عليه فقيض الله تعالى له ملكا في
(١٢٤)