تعالى «فمن أظلم ممن كذب على الله» فإنه إلى آخره مسوق لبيان حال كل من طرفي الاختصام الجاري في شأن الكفر والايمان لا غير أي اظلم من كل ظالم من افترى على الله سبحانه وتعالى بأن أضاف اليه الشريك والولد «وكذب بالصدق» أي بالامر الذي هو عين الحق ونفس الصدق وهو ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم «إذ جاءه» أي في أول مجيئه من غير تدبر فيه ولا تأمل «أليس في جهنم مثوى للكافرين» أي لهؤلاء الذين افتروا على الله سبحانه وسارعوا إلى التكذيب بالصدق من أول الامر والجمع باعتبار معنى من كما ان الافراد في الضمائر السابقة باعتبار لفظها أو لجنس الكفرة وهم داخلون في الحكم دخولا أوليا «والذي جاء بالصدق وصدق به» الموصول عبارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعه كما ان المراد في قوله تعالى ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون هو عليه الصلاة والسلام وقومه وقيل عن الجنس المتناول المرسل والمؤمنين بهم ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به وقيل هو صفة لموصوف محذوف هو الفوج أو الفريق «أولئك» الموصوفون بما ذكر من المجيء بالصدق والتصديق به «هم المتقون» المنعوتون بالتقوى التي هي اجل الرغائب وقرئ وصدق به بالتخفيف أي صدق به الناس فأداه إليهم كما نزل عليه من غير تغيير وقيل وصار صادقا به أي بسببه لان ما جاء به من القرآن معجزة دالة على صدقه صلى الله عليه وسلم وقرئ صدق به على البناء للمفعول «لهم ما يشاؤون عند ربهم» بيان لما لهم في الآخرة من حسن المآب بعد بيان مالهم في الدنيا من محاسن الاعمال أي لهم كل ما يشاءون من جلب المنافع ودفع المضار في الآخرة لا في الجنة فقط لما ان بعض ما يشاءونه من تكفير السيئات والامن من الفزع الأكبر وسائر أهوال القيامة انما يقع قبل دخول الجنة «ذلك» الذي ذكر من حصول كل ما يشاءونه «جزاء المحسنين» أي الذين أحسنوا اعمالهم وقد مر تفسير الاحسان غير مرة وقوله تعالى «ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا» الخ متعلق بقوله تعالى لهم ما يشاءون لكن لا باعتبار منطوقه ضرورة ان التفكير المذكور لا يتصور كونه غاية لثبوت ما يشاءون لهم في الآخرة كيف لا وهو بعض ما سيثبت لهم فيها بل باعتبار فحواه فإنه حيث لم يكن اخبارا بما ثبت لهم فيما مضى بل بما سيثبت لهم فيما سيأتي كان في معنى الوعد به كما مر في قوله تعالى وعد الله فإنه مصدر مؤكد لما قبله من قوله تعالى لهم غرف من فوقها غرف فإنه في معنى وعدهم الله غرفا فانتصب به وعد الله كأنه قيل
(٢٥٤)