حرموها من جهة القادرين على شفاعة بعض المحتاجين إليها فلأن حرموها من جهة العجزة عنها أولى وقرئ أذن له مبنيا للمفعول «حتى إذا فزع عن قلوبهم» أي قلوب الشفعاء والمشفوع لهم من المؤمنين وأما الكفرة فهم من موقف الاستشفاع بمعزل وعن التفزيع عن قلوبهم بألف منزل والتفزيع إزالة الفزع ثم ترك ذكر الفزع وأسند الفعل إلى الجار والمجرور وحتى غاية لما ينبئ عنه ما قبلها من الإشعار بوقوع الإذن لمن أذن له فإنه مسبوق بالاستئذان المستدعى للترقب والانتظار للجواب كأنه سئل كيف يؤذن لهم فقيل يتربصون في موقف الاستئذان والاستدعاء ويتوقفون على وجل وفزع مليا حتى إذا أزيل الفزع عن قلوبهم بعد اللتيا والتي وظهرت لهم تباشيرا الإجابة قالوا أي المشفوع لهم إذ هم المحتاجون إلى الاذن والمهتمون بأمره ماذا قال ربكم أي في شأن الاذن قالوا أي الشفعاء لأنهم المباشرون للاستئذان بالذات المتوسطون بينهم وبينه عز وجل بالشفاعة الحق أي قال ربنا القول الحق وهو الاذن في الشفاعة للمستحقين لها وقرئ الحق مرفوعا أي ما قاله الحق «وهو العلي الكبير» من تمام كلام الشفعاء قالوه اعترافا بغاية عظمة جناب العزة عز وجل وقصور شأن كل من سواه أي هو المنفرد بالعلو والكبرياء ليس لاحد من اشراف الخلائق ان يتكلم الا بإذنه وقرئ فزع مخففا بمعنى فزع وقرئ فزع على البناء للفاعل وهو الله وحده وقرئ فزع بالراء المهملة والغين المعجمة أي نفي الوجل عنها وافنى من فرغ الزاد إذا لم يبق منه شيء وهو من الاسناد المجازي لان الفراغ وهو الخلو حال ظرفه عند نفاده فأسند اليه على عكس قولهم جرى النهر وعن الحسن تخفيف الراء واصله فرغ الرجل عنها أي انتفى عنها وفنى ثم حذف الفاعل واسند إلى الجار والمجرور وبه يعرف حال التفريغ وقرئ ارتفع عن قلوبهم بمعنى انكشف عنها «قل من يرزقكم من السماوات والأرض» امر صلى الله عليه وسلم بتبكيت المشركين بحملهم على الاقرار بأن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة فيهما وان الرازق هو الله تعالى فإنهم لا ينكرونه كما ينطق به قوله تعالى «قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر» فسيقولون الله وحيث كانوا يتلعثمون أحيانا في الجواب مخافة الالزام قيل له صلى الله عليه وسلم قل الله إذ لا جواب سواء عندهم أيضا وانا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين أي وان أحد الفريقين من الذين يوحدون المتوحد بالرزق والقدرة الذاتية ويخصونه بالعبادة والذين يشركون به في العبادة الجماد النازل في أدنى المراتب الامكانية لعلى أحد الامرين من الهدى والضلال المبين وهذا بعد ما سبق من التقرير البليغ الناطق بتعيين من هو على الهدى ومن هو في الضلال أبلغ من التصريح بذلك لجريانه على سنن الانصاف المسكت للخصم الألد وقرئ وانا أو إياكم اما على هدى أو في ضلال مبين واختلاف الجارين للايذان بأن الهادي كمن استعلى منارا ينظر الأشياء ويتطلع
(١٣٢)