«فأقم وجهك للدين» تمثيل لاقباله على الدين واستقامته وثباته عليه واهتمامه بترتيب أسبابه فإن من اهتم بشيء محسوس بالبصر عقد عليه طرفه وسدد اليه نظره وقوم له وجهة مقبلا به عليه أي فقوم وجهك له وعدله غير ملتفت يمينا وشمالا وقوله تعالى «حنيفا» حال من المأمور أو من الدين «فطرة الله» الفطرة الخلقة وانتصابها على الاغراء أي الزموا أو عليكم فطرة الله فإن الخطاب للكل كما يفصح عنه قوله تعالى منيبين والافراد في أقم لما ان الرسول صلى الله عليه وسلم امام الأمة فأمره صلى الله عليه وسلم مستتبع لامرهم والمراد بلزومها الجريان على موجبها وعدم الاخلال به باتباع الهوى وتسويل الشياطين وقيل على المصدر أي فطر الله فطرة وقوله تعالى «التي فطر الناس عليها» صفة لفطرة الله مؤكدة لوجوب الامتثال بالامر فإن خلق الله الناس على فطرته التي هي عبارة عن قبولهم للحق وتمكنهم من ادراكه أو عن ملة الاسلام من موجبات لزومها والتمسك بها قطعا فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه أدى بهم إليها وما اختاروا عليها دينا آخر ومن غوي منهم فبإغواء شياطين الانس والجن ومنه قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن رب العزة كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم ان يشركوا بي غيري وقوله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه وقوله تعالى «لا تبديل لخلق الله» تعليل للامر بلزوم فطرته تعالى أو لوجوب الامتثال به أي لا صحة ولا استقامة لتبديله بالاخلال بموجبه وعدم ترتيب مقتضاه عليه باتباع الهوى وقبول وسوسة الشيطان وقيل لا يقدر أحد على ان يغير فلا بد حينئذ من حمل التبديل على تبديل نفس الفطرة بإزالتها رأسا ووضع فطرة أخرى مكانها غير مصححة لقبول الحق والتمكن من ادراكه ضرورة ان التبديل بالمعنى الأول مقدور بل واقع قطعا فالتعليل حينئذ من جهة ان سلامة الفطرة متحققة في كل أحد فلا بد من لزومها بترتيب مقتضاها عليها وعدم الاخلال به بما ذكر من اتباع الهوى وخطوات الشيطان ذلك إشارة إلى الدين المأمور بإقامة الوجه له أو إلى لزوم فطرة الله المستفاد من الاغراء أو إلى الفطرة ان فسرت بالملة والتذكير بتأويل المذكور أو باعتبار الخبر «الدين القيم» المستوى الذي لا عوج فيه «ولكن أكثر الناس لا يعلمون» ذلك فيصدون عنه صدودا «منيبين إليه» حال من الضمير في الناصب المقدر لفطرة الله أو في أقم لعمومه للأمة حسبما أشير اليه وما بينهما اعتراض أي راجعين اليه من أناب إذا رجع مرة بعد أخرى وقوله تعالى «واتقوه» أي من مخالفة امره عطف على المقدر المذكور وكذا قوله تعالى «وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين» المبدلين لفطرة الله تعالى تبديلا «من الذين فرقوا دينهم» بدل من المشركين بإعادة الجار وتفريقهم لدينهم اختلافهم فيما يعبدونه على
(٦٠)