ورجحا بها «لا إله إلا هو» فيجب الاقبال الكلى على طاعته في أوامره ونواهيه «إليه المصير» فحسب لا إلى غيره لا استقلالا ولا اشتراكا فيجزى كلا من المطيع والعاصي «ما يجادل في آيات الله» أي بالطعن فيها واستعمال المقدمات الباطلة لإدحاض الحق كقوله تعالى وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق «إلا الذين كفروا» بها وأما الذين آمنوا فلا يخطر ببالهم شائبة شبهة منها فضلا عن الطعن فيها وأما الجدال فيها لحل مشكلاتها وكشف معضلاتها واستنباط حقائقها الكلية وتوضيح مناهج الحق في مضايق الأفهام ومزالق الاقدام وإبطال شبه أهل الزيغ والضلال فمن أعظم الطاعات ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إن جدالا في القرآن كفر بالتنكير للفرق بين جدال وجدال والفاء في قوله تعالى «فلا يغررك تقلبهم في البلاد» لترتيب النهى أو وجوب الانتهاء على ما قبلها من التسجيل عليهم بالكفر الذي لا شئ أمقت منه عند الله تعالى ولا أجلب لخسران الدنيا والآخرة فإن من تحقق ذلك لا يكاد يغتر بما لهم من حظوظ الدنيا وزخارفها فإنهم مأخوذون عما قليل أخذ من قبلهم من الأمم حسبما ينطق به قوله تعالى «كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم» أي الذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم بعد قوم نوح مثل عاد وثمود وأضرابهم «وهمت كل أمة» من تلك الأمم العاتية «برسولهم» وقرئ برسولها «ليأخذوه» ليتمكنوا منه فيصيبوا به ما أرادوا من تعذيب أو قتل من الاخذ بمعنى الأسر «وجادلوا بالباطل» الذي لا أصل ولا حقيقة له أصلا «ليدحضوا به الحق» الذي لا محيد عنه كما فعل هؤلاء «فأخذتهم» بسبب ذلك اخذ عزيز مقتدر «فكيف كان عقاب» الذي عاقبتهم به فإن آثار دمارهم عبرة للناظرين ولآخذن هؤلاء أيضا لاتحادهم في الطريقة واشتراكهم في الجريرة كما ينبئ عنه قوله تعالى «وكذلك حقت كلمة ربك» أي كما وجب وثبت حكمه تعالى وقضاؤه بالتعذيب على أولئك الأمم المكذبة المتحزبة على رسلهم المجادلة بالباطل لإدحاض الحق به وجب أيضا «على الذين كفروا» أي كفروا بك وتحزبوا عليك وهموا بما لم ينالوا كما ينبئ عنه إضافة اسم الرب إلى ضميره صلى الله عليه وسلم فإن ذلك للاشعار بان وجوب كلمة العذاب عليهم من احكام تربيته التي من جملتها نصرته صلى الله عليه وسلم وتعذيب أعدائه وذلك إنما يتحقق بكون الموصول عبارة عن كفار قومه لا عن الأمم المهلكة وقوله تعالى «أنهم أصحاب النار» في حيز النصب بحذف لام التعليل أي لأنهم مستحقو أشد العقوبات وأفظعها التي هي عذاب النار وملازموها ابدا لكونهم كفارا معاندين متحزبين على الرسول صلى الله عليه وسلم كدأب من قبلهم من الأمم المهلكة فهم لسائر فنون العقوبات أشد استحقاقا وأحق استيجابا وقيل هو في محل الرفع على انه بدل من كلمة ربك والمعنى مثل ذلك
(٢٦٦)