ولولاهم لقتله وما كان الذي يكفه الا ما في نفسه من الفزع الهائل وقوله «وليدع ربه» تجلد منه واظهار لعدم المبالاة بدعائه ولكنه أخوف ما يخافه «إني أخاف» ان لم اقتله «أن يبدل دينكم» ان يغير ما أنتم عليه من الدين الذي هو عبارة عن عبادته وعبادة الأصنام لتقربهم اليه «أو أن يظهر في الأرض الفساد» ما يفسد دنياكم من التحارب والتهارج ان لم يقدر على تبديل دينكم بالكلية وقرئ بالواو الجامعة وقرئ بفتح الياء والهاء ورفع الفساد وقرئ بظهر بتشديد الظاء والهاء من تظاهر أي تتابع وتعاون «وقال موسى» أي لقومه حين سمع بما تقوله اللعين من حديث قتله عليه الصلاة والسلام «إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب» صدر عليه الصلاة والسلام كلامه بأن تأكيدا له واظهارا لمزيد الاعتناء بمضمونه وفرط الرغبة فيه وخص اسم الرب المنبىء عن الحفظ والتربية لأنهما الذي يستدعيه وأضافه اليه واليهم حثا لهم على موافقته في العياذ به تعالى والتوكل عليه فإن في تظاهر النفوس تأثيرا قويا في استجلاب الإجابة ولم يسم فرعون بل ذكره بوصف يعمه وغيره من الجبابرة لتعميم الاستعاذة والاشعار بعلة القساوة والجرأة على الله تعالى وقرئ عدت بالادغام «وقال رجل مؤمن من آل فرعون» قيل كان قبطيا ابن عم لفرعون آمن بموسى سرا وقيل كان إسرائيليا أو غريبا موحدا «يكتم إيمانه» أي من فرعون وملئه «أتقتلون رجلا» أتقصدون قتله «أن يقول» لان يقول أو كراهة ان يقول «ربي الله» أي وحده من غير روية وتأمل في امره «وقد جاءكم بالبينات» والحال انه قد جاءكم بالمعجزات الظاهرة التي شاهدتموها وعهدتموها «من ربكم» إضافة إليهم بعد ذكر البينات احتجاجا عليهم واستنزالا لهم عن رتبة المكابرة ثم اخذهم بالاحتجاج من باب الاحتياط فقال «وإن يك كاذبا فعليه كذبه» لا يتخطاه وبال كذبه فيحتاج في دفعه إلى قتله «وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم» أي ان لم يصبكم كله فلا أقل من إصابة بعضه لا سيما ان تعرضتم له بسوء وهذا كلام صادر عن غاية الانصاف وعدم التعصب ولذلك قدم من شقي الترديد كونه كاذبا أو يصبكم ما يعدكم من عذاب الدنيا وهو بعض ما يعدهم كأنه خوفهم بما اظهر احتمالا عندهم وتفسير البعض بالكل مستدلا بقول لبيد * تراك أمكنة إذا لم ارضها * أو يرتبط بعض النفوس حمامها * مردود لما ان مراده بالبعض نفسه «إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب» احتجاج آخر ذو وجهين أحدهما انه لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله تعالى إلى البينات ولما أيده بتلك المعجزات وثانيهما ان كان كذلك خذله الله وأهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله ولعله أراهم المعنى الثاني وهو عاكف على المعنى الأول لتلين شكيمتهم وقد عرض به لفرعون بأنه
(٢٧٤)