من التوراة والقرآن وسميتموهما سحرين فإنه نص فيما ذكر وقوله تعالى «أتبعه» جواب للأمر أي إن تأتوا به أتبعه ومثل هذا الشرط مما يأتي به من يدل بوضوح حجته وسنوح محجته لأن الإتيان بما هو اهدى من الكتابين امر بين الاستحالة فيوسع دائرة الكلام للتبكيت والافحام «إن كنتم صادقين» أي في أنهما سحران مختلقان وفي إيراد كلمة إن مع امتناع صدقهم نوع تهكم بهم «فإن لم يستجيبوا لك» أي فإن لم يفعلوا ما كلفتهم من الاتيان بكتاب أهدي منهما كقوله تعالى فإن لم تفعلوا وإنما عبر عنه بالاستجابة إيذانا بأنه صلى الله عليه وسلم على كمال أمن من أمره كأن أمره صلى الله عليه وسلم لهم بالإتيان بما ذكر دعاء لهم إلى امر يريد وقوعه والاستجابة تتعدى إلى الدعاء بنفسه والى الداعي باللام فيحذف الدعاء عند ذلك غالبا ولا يكاد يقال استجاب الله له دعاءه «فاعلم أنما يتبعون أهواءهم» الزائفة من غير أن يكون لهم متمسك ما أصلا إذ لو كان لهم ذلك لأتوا به «ومن أضل ممن اتبع هواه» استفهام إنكاري للنفي أي لا أضل ممن اتبع هواه «بغير هدى من الله» أي هو أضل من كل ضال وإن كان ظاهر السبك لنفى الأصل لا لنفى المساوي كما مر في نظائره مرارا وتقييد اتباع الهوى بعدم الهدى من الله تعالى لزيادة التقريع والاشباع في التشنيع والتضليل وإلا فمقارنته لهدايته تعالى بينة الاستحالة «إن الله لا يهدي القوم الظالمين» الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك في اتباع الهوى والاعراض عن الآيات الهادية إلى الحق المبين «ولقد وصلنا لهم القول» وقرئ بالتخفيف أي أنزلنا القرآن عليهم متواصلا بعضه إثر بعض حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة أو متتابعا وعدا ووعيدا قصصا وعبرا ومواعظ ونصائح «لعلهم يتذكرون» فيؤمنون بما فيه «الذين آتيناهم الكتاب من قبله» أي من قبل إيتاء القرآن «هم به يؤمنون» وهم مؤمنو أهل الكتاب وقيل أربعون من أهل الإنجيل اثنان وثلاثون جاءوا مع جعفر من الحبشة وثمانية ي من الشام «وإذا يتلى» أي القرآن عليهم «قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا» أي الحق الذي كما نعرف حقيته وهو استئناف لبيان ما أوجب إيمانهم وقوله تعالى «إنا كنا من قبله» أي من قبل نزوله «مسلمين» بيان لكون إيمانهم به أمرا متقادم العهد لما شاهدوا ذكره في الكتب المتقدمة وأنهم على دين الاسلام قبل نزول القرآن «أولئك» الموصوفون بما ذكر من النعوت
(١٨)