والمنكر» كأنه قيل وصل بهم إن الصلاة تنهاهم عن الفحشاء والمنكر ومعنى نهيها عنهما أنها سبب للانتهاء عنهما لأنها مناجاة لله تعالى فلا بد أن تكون مع إقبال تام على طاعته وإعراض كلى عن معاصيه قال ابن مسعود وابن عباس رضى الله تعالى عنهما في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله تعالى فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم يزدد بصلاته من الله تعالى إلا بعدا وقال الحسن وقتادة من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال عليه وروى أنس رضى الله عنه أن فتى من الأنصار كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا يدع شيئا من الفواحش إلا ركبه فوصف له صلى الله عليه وسلم حاله فقال إن صلاته ستنهاه فلم يلبث ان تاب وحسن حاله «ولذكر الله أكبر» أي للصلاة أكبر من سائر الطاعات وإنما عبر عنها به كما في قوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله للإيذان بأن ما فيها من ذكر الله تعالى هو العمدة في كونها مفضلة على الحسنات ناهية عن السيئات وقيل ولذكر الله تعالى عند الفحشاء والمنكر وذكر نهيه عنهما ووعيده عليهما أكبر في الزجر عنهما وقيل ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته «والله يعلم ما تصنعون» منه ومن سائر الطاعات فيجازيكم بها أحسن المجازاة «ولا تجادلوا أهل الكتاب» من اليهود والنصارى «إلا بالتي هي أحسن» أي بالخصلة التي هي أحسن كمقابلة الخشونة باللين والغضب بالكظم والمشاغبة بالنصح والسورة بالأناة على وجه لا يدل على الضعف ولا يؤدي إلى إعطاء الدنية وقيل منسوخ بآية السيف «إلا الذين ظلموا منهم» بالافراط في الاعتداء والعناد أو بإثبات الولد وقولهم يد الله مغلولة ونحو ذلك فإنه يجب حينئذ المدافعة بما يليق بحالهم «وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا» من القرآن «وأنزل إليكم» أي وبالذي انزل إليكم من التوراة والإنجيل وقد مر تحقيق كيفية الايمان بهما في خاتمة سورة البقرة وعن النبي صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وبكتبه وبرسله فإن قالوا باطلا لم تصدقوهم وإن قالوا حقا لم تكذبوهم «وإلهنا وإلهكم واحد» لا شريك له في الألوهية «ونحن له مسلمون» مطيعون خاصة وفيه تعريض بحال الفريقين حيث اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله «وكذلك» تجريد للخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك إشارة إلى مصدر الفعل الذي بعده وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلة المشار اليه في الفضل أي مثل ذلك الانزال البديع الموافق لانزال سائر الكتب «أنزلنا إليك الكتاب» أي القرآن الذي من جملته هذه الآية الناطقة بما ذكر من المجادلة بالحسنى «فالذين آتيناهم الكتاب» من الطائفتين «يؤمنون به» أريد بهم عبد الله بن سلام وأضرابه من أهل الكتابين خاصة كأن من عداهم لم يؤتوا الكتاب حيث لم يعملوا بما فيه أو من تقدم عهد رسول الله
(٤٢)