مكية وهي تسع وستون آية «بسم الله الرحمن الرحيم» «ألم» الكلام فيه كالذي مر مرارا في نظائره من الفواتح الكريمة خلا ان ما بعده لا يحتمل أن يتعلق به تعلقا اعرابيا «أحسب الناس» الحسبان ونظائره لا يتعلق بمعاني المفردات بل بمضامين الجمل المفيدة لثبوت شيء لشيء أو انتفاء شيء بحيث يتحصل منها مفعولاه اما بالفعل كما في عامة المواقع واما بنوع تصرف فيها كما في الجمل المصدرة بأن والواقعة صلة للموصول الأسمى أو الحرفي فإن كلا منها صالحة لان يسبك منها مفعولاه لان قوله تعالى «أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون» في قوة ان يقال احسبوا أنفسهم متروكين بلا فتنة بمجرد ان يقولوا آمنا أوان يقال احسبوا تركهم غير مفتونين بقولهم آمنا حاصلا متحققا والمعنى انكار الحسبان المذكور واستبعاده وتحقيق انه تعالى يمتحنهم بمشاق التكاليف كالمهاجرة والمجاهدة ورفض ما تشتهيه النفس ووظائف الطاعات وفنون المصائب في الأنفس والأموال ليتميز المخلص من المنافق والراسخ في الدين من المتزلزل فيه ويجازيهم بحسب مراتب اعمالهم فإن مجرد الايمان وان كان عن خلوص لا يقتضى غير الخلاص من الخلود في النار روى انها نزلت في ناس من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين جزعوا من أذية المشركين وقيل في عمار قد عذب في الله وقيل في مهجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما رماه عامر بن الحضرمي بسهم يوم بدر فقتله فجزع عليه أبواه وامرأته وهو أول من استشهد يومئذ من المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعي إلى باب الجنة من هذه الأمة «ولقد فتنا الذين من قبلهم» متصل بقوله تعالى أحسب أو بقوله تعالى لا يفتنون والمعنى ان ذلك سنة قديمة مبنية على الحكم البالغة جارية فيما بين الأمم كلها فلا ينبغي ان يتوقع خلافها والمعنى ان الأمم الماضية قد أصابهم من ضروب الفتن والمحن ما هو أشد مما أصاب هؤلاء فصبروا كما يعرب عنه قوله تعالى وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا الآيات وعن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان من قبلكم يؤخذ فيوضع المنشار
(٢٩)