«واستغفر لذنبك» تداركا لما فرط منك من ترك الأولى في بعض الأحايين فإنه تعالى كافيك في نصرة دينك واظهاره على الدين كله «وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار» أي ودم على التسبيح ملتبسا بحمده تعالى وقيل صل لهذين الوقتين إذ كان الواجب بمكة ركعتين بكرة وركعتين عشيا وقيل صل شكرا لربك بالعشي والابكار وقيل هما صلاة العصر وصلاة الفجر «إن الذين يجادلون في آيات الله» ويجحدون بها «بغير سلطان أتاهم» في ذلك من جهته تعالى وتقييد المجادلة بذلك مع استحالة اتيانه للايذان بأن التكلم في امر الدين لا بد من استناده إلى سلطان مبين البتة وهذا عام لكل مجادل مبطل وان نزل في مشركي مكة وقوله تعالى «إن في صدورهم إلا كبر» خبر لان أي ما في قلوبهم الا تكبر عن الحق وتعظم عن التفكر والتعلم أو الا إرادة الرياسة والتقدم على الاطلاق أو الا إرادة ان تكون النبوة لهم دونك حسدا وبغيا حسبما قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وقالوا لو كان خيرا ما سبقونا اليه ولذلك يجادلون فيها لا ان فيها موقع جدال ما وان لهم شيئا يتوهم ان يصلح مدارا لمجادلتهم في الجملة وقوله تعالى «ما هم ببالغيه» صفة لكبر قال مجاهد ما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر وهو ما أرادوه من الرياسة أو النبوة وقيل المجادلون هم اليهود وكانوا يقولون لست صاحبنا المذكور في التوراة بل هو المسيح بن داود يريدون الدجال يخرج في آخر الزمان ويبلغ سلطانه البر والبحر وتسير معه الأنهار وهو آية من آيات الله تعالى فيرجع الينا الملك فسمى الله تعالى تمنيهم ذلك كبرا ونفى ان يبلغوا متمناهم «فاستعذ بالله» أي فالتجيء اليه من كيد من يحسدك ويبغي عليك وفيه رمز إلى انه من همزات الشياطين «إنه هو السميع البصير» لأقوالكم وأفعالكم وقوله تعالى «لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس» تحقيق للحق وتبيين لأشهر ما يجادلون فيه من امر البعث على منهاج قوله تعالى أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على ان يخلق مثلهم «ولكن أكثر الناس لا يعلمون» لقصورهم في النظر والتأمل لفرط غفلتهم واتباعهم لأهوائهم «وما يستوي الأعمى والبصير» أي الغافل والمستبصر «والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسئ» أي والمحسن والمسيء فلا بد ان تكون لهم حال أخرى يظهر فيها ما بين الفريقين من التفاوت وهي فيما بعد البعث وزيادة لا في المسئ لتأكيد النفي لطول الكلام بالصلة ولان المقصود نفي مساواته للمحسن فيما له من الفضل والكرامة والعاطف الثاني عطف الموصول بما عطف عليه على الأعمى والبصير لتغاير الوصفين في المقصود أو الدلالة بالصراحة والتمثيل «قليلا ما تتذكرون» على الخطاب بطريق الالتفات
(٢٨١)