الصورة «ثم يهيج» أي يتم جفافه ويشرف على ان يثور من منابته «فتراه مصفرا» من بعد خضرته ونضرته وقرئ مصفارا «ثم يجعله حطاما» فتاتا متكسرة كأن لم يغن بالأمس ولكون هذه الحالة من الآثار القوية علقت بجعل الله تعالى كالإخراج «إن في ذلك» إشارة إلى ما ذكر تفصيلا وما فيه من معنى البعد للايذان ببعد منزلته في الغرابة والدلالة على ما قصد بيانه «لذكري» لتذكيرا عظيما «لأولي الألباب» لأصحاب العقول الخالصة عن شوائب الخلل وتنبيها لهم على حقيقة الحال يتذكرون بذلك أن حال الحياة الدنيا في سرعة التقضى والانصرام كما يشاهدونه من حال الحطام كل عام فلا يغترون ببهجتها ولا يفتتنون بفتنتها أو يجزمون بأن من قدر على إنزال الماء من السماء وإجرائه في ينابيع الأرض قادر على إجراء الأنهار من تحت الغرف هذا وأما ما قيل إن في ذلك لتذكيرا وتنبيها على أنه لا بد من صانع حكيم وأنه كائن عن تقدير وتدبير لا عن تعطيل وإهمال فبمعزل من تفسير الآية الكريمة وإنما يليق ذلك بما لو ذكر ما ذكر من الآثار الجليلة والافعال الجميلة من غير إسناد لها إلى مؤثر ما فحيث ذكرت مسندة إلى الله عز وجل تعين أن يكون متعلق التذكير والتنبيه شؤونه تعالى أو شؤون آثاره حسبما بين لا وجوده تعالى وقوله تعالى «أفمن شرح الله صدره للإسلام» الخ استئناف جار مجرى التعليل لما قبله من تخصيص الذكرى بأولي الألباب وشرح الصدر للاسلام عبارة عن تكميل الاستعداد له فإنه محل للقلب الذي هو منبع للروح التي تتعلق بها النفس القابلة للاسلام فانشراحه مستدع لاتساع القلب واستضاءته بنوره فإنه روي انه صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح فقيل فما علامة ذلك قال صلى الله عليه وسلم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزوله والكلام في الهمزة والفاء كالذي مر في قوله تعالى أفمن حق عليه كلمة العذاب وخبر من محذوف لدلالة ما بعده عليه والتقدير اكل الناس سواء فمن شرح الله صدره أي خلقه متسع الصدر مستعدا للاسلام فبقي على الفطرة الأصلية ولم يتغير بالعوارض المكتسبة الفادحة فيها «فهو» بموجب ذلك مستقر «على نور» عظيم «من ربه» وهو اللطف الإلهي الفائض عليه عند مشاهدة الآيات التكوينية والتنزيلية والتوفيق للاهتداء بها إلى الحق كمن قسا قلبه وحرج صدره بسبب تبديل فطرة الله بسوء اختباره واستولى عليه ظلمات الغي والضلالة فأعرض عن تلك الآيات بالكلية حتى لا يتذكر بها ولا يغتنمها «فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله» أي من اجل ذكره الذي حقه ان تنشرح له الصدور وتطمئن به القلوب أي إذا ذكر الله تعالى عندهم أو آياته اشمأزوا من اجله وازدادت قلوبهم قساوة كقوله تعالى فزادتهم رجسا وقرئ عن ذكر الله أي عن قبوله «أولئك» البعداء الموصوفون بما ذكر من قساوة القلوب «في ضلال» بعد عن الحق «مبين» ظاهر كونه ضلالا لكل أحد قيل نزلت الآية في حمزة وعلي رضي الله عنهما وأبي لهب وولده وقيل في عمار بن
(٢٥٠)