وفضله عنه لما ان تقديمه يفرق القرائن وتأخير المردود يخل بالترتيب الوجودي لأنه يتحسر بالتفريط ثم يتعلل بفقد الهداية ثم يتمنى الرجعة وهو لا يمنع تأثير قدرة الله تعالى في فعل العبد ولا ما فيه من اسناد الفعل اليه كما عرفت وتذكير الخطاب باعتبار المعنى وقرئ بالتأنيث «ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله» بأن وصفوه بما لا يليق بشأنه كاتخاذ الولد «وجوههم مسودة» بما ينالهم من الشدة أو بما يتخيل عليها من ظلمة الجهل والجملة حال قد اكتفى فيها بالضمير عن الواو على ان الرؤية بصرية أو مفعول ثان لها على انها عرفانية «أليس في جهنم مثوى» أي مقام «للمتكبرين» عن الايمان والطاعة وهو تقرير لما قبله من رؤيتهم كذلك «وينجي الله الذين اتقوا» الشرك والمعاصي أي من جهنم وقرئ ينجي من الانجاء «بمفازتهم» مصدر ميمي اما من فاز بالمطلوب أي ظفر به والباء متعلقة بمحذوف هو حال من الموصول مفيدة لمقارنة تنجيتهم من العذاب لنيل الثواب أي ينجيهم الله تعالى من مثوى المتكبرين ملتبسين بفوزهم بمطلوبهم الذي هو الجنة وقوله تعالى «لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون» اما حال أخرى من الموصول أو من ضمير مفازتهم مفيدة لكون نجاتهم أو فوزهم بالجنة غير مسبوقة بمساس العذاب والحزن واما من فاز منه أي نجا منه والباء للملابسة وقوله تعالى لا يمسهم إلى آخره تفسير وبيان لمفازتهم أي ينجيهم الله تعالى ملتبسين بنجاتهم الخاصة بهم أي بنفي السوء والحزن عنهم أو للسببية اما على حذف المضاف أي ينجيهم بسبب مفازتهم التي هي تقواهم كما يشعر به ايراده في حيز الصلة واما على اطلاق المفازة على سببها الذي هو التقوى وليس المراد نفي دوام المساس والحزن بل دوام نفيهما كما مر مرارا «الله خالق كل شيء» من خير وشر وايمان وكفر لكن لا بالجبر بل بمباشرة الكاسب لأسبابها «وهو على كل شيء وكيل» يتولى التصرف فيه كيفما يشاء «له مقاليد السماوات والأرض» لا يملك امرها ولا يتمكن من التصرف فيها غيره وهو عبارة عن قدرته تعالى وحفظه لها وفيها مزيد دلالة على الاستقلال والاستبداد لان الخزائن لا يدخلها ولا يتصرف فيها الا من بيده مفاتيحها وهو جمع مقليد أو مقلاد من قلدته إذا ألزمته وقبل جمع أقليد معرب كليد على الشذوذ كالمذاكير وعن عثمان رضي الله عنه انه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المقاليد فقال صلى الله عليه وسلم تفسيرها لا اله الا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده واستغفر الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم هو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحي ويميت وهو على كل شيء قدير والمعنى على هذا ان لله هذه الكلمات يوحد بها ويمجد وهي مفاتيح خير السماوات والأرض من تكلم بها اصابه «والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون» متصل بما قبله والمعنى ان الله تعالى خالق لجميع الأشياء
(٢٦١)