«قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم» امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتذكير المؤمنين وحملهم على التقوى والطاعة إثر تخصيص التذكر بأولى الألباب إيذانا بأنهم هم كما سيصرح به أي قل لهم قولي هذا بعينه وفيه تشريف لهم بإضافتهم إلى ضمير الجلالة ومزيد اعتناء بشأن المأمور به فإن نقل عين امر الله ادخل في إيجاب الامتثال به وقوله تعالى «للذين أحسنوا» تعليل للامر أو لوجوب الامتثال به وإيراد الإحسان في حيز الصلة دون التقوى للإيذان بأنه من باب الإحسان وأنهما متلازمان وكذا الصبر كما مر في قوله تعالى إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وفي قوله تعالى إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين وقوله تعالى «في هذه الدنيا» متعلق بأحسنوا أي عملوا الاعمال الحسنة في هذه الدنيا على وجه الاخلاص وهو الذي عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الاحسان بقوله صلى الله عليه وسلم أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك «حسنة» أي حسنة عظيمة لا يكتنه كنهها وهي الجنة وقيل هو متعلق بحسنة على انه بيان لمكانها أو حال من ضميرها في الظرف فالمراد بها حينئذ الصحة والعافية «وأرض الله واسعة» فمن تعسر عليه التوفر على التقوى والاحسان في وطنه فليهاجر إلى حيث يتمكن فيه من ذلك كما هو سنة الأنبياء والصالحين فإنه لا عذر له في التفريط أصلا وقوله تعالى «إنما يوفى الصابرون» الخ ترغيب في التقوى المأمور بها وإيثار الصابرين على المتقين للإيذان بأنهم حائزون لفضيلة الصبر كحيازتهم لفضيلة الإحسان لما أشير إليه من استلزام التقوى لهما مع ما فيه من زيادة حث على المصابرة والمجاهدة في تحمل مشاق المهاجرة ومتاعبها أي إنما يوفى الذين صبروا على دينهم وحافظوا على حدوده ولم يفرطوا في مراعاة حقوقه لما اعتراهم في ذلك من فنون الآلام والبلايا التي من جملتها مهاجرة الأهل ومفارقة الأوطان «أجرهم» بمقابلة ما كابدوا من الصبر «بغير حساب» أي بحيث لا يحصى ولا يحصر عن ابن عباس رضى الله عنهما لا يهتدى إليه حساب الحساب ولا يعرف وفي الحديث انه تنصب الموازين يوم القيامة لأهل الصلاة والصدقة والحج فيؤتون بها أجورهم ولا تنصب لأهل البلاء بل يصب عليهم الأجر صبا حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل «قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين» أي من كل ما ينافيه من الشرك والرياء وغير ذلك امر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيان ما أمر به نفسه من الإخلاص في عبادة الله الذي هو عبارة عما أمر به المؤمنون من التقوى مبالغة في حثهم على الإتيان بما كلفوه وتمهيدا لما يعقبه مما خوطب به المشركون «وأمرت لأن أكون أول المسلمين» أي وأمرت بذلك لأجل ان أكون مقدمهم
(٢٤٦)