لمثل من الأمثال القرآنية بعد بيان ان الحكمة في ضربها هو التذكر والاتعاظ بها وتحصيل التقوى والمراد بضرب المثل ههنا تطبيق حالة عجيبة بأخرى مثلها وجعلها مثلها كما مر في سورة يس ومثلا مفعول ثان لضرب ورجلا مفعوله الأول اخر عن الثاني للتشويق اليه وليتصل به ما هو من تتمته التي هي العمدة في التمثيل وفيه ليس بصلة لشركاء كما قيل بل هو خبر له وبيان انه في الأصل كذلك مما لا حاجة اليه والجملة في حيز النصب على انه وصف لرجلا أو الوصف هو الجار والمجرور وشركاء مرتفع به على الفاعلية لاعتماده على الموصوف فالمعنى جعل الله تعالى مثلا للمشرك حسبما يقود اليه مذهبه من ادعاء كل معبوديه عبوديته عبدا يتشارك فيه جماعة يتجاذبونه ويتعاورونه في مهماتهم المتباينة في تحيره وتوزع قلبه «ورجلا» أي وجعل للموحد مثلا رجلا «سلما» أي خالصا «لرجل» فرد ليس لغيره عليه سبيل أصلا وقرئ سلما بفتح السين وكسرها مع سكون اللام والكل مصادر من سلم له كذا أي خلص نعت بها مبالغة أو حذف منها ذو وقرئ سالما وسالم أي وهناك رجل سالم وتخصيص الرجل لأنه أفطن لما يجري عليه من الضر والنفع «هل يستويان مثلا» انكار واستبعاد لاستوائهما ونفي له على أبلغ وجه وآكده وايذان بأن ذلك من الجلاء والظهور بحيث لا يقدر أحد ان يتفوه باستوائهما أو يتلعثم في الحكم بتباينهما ضرورة أن أحدهما في أعلى عليين والاخر في أسفل سافلين وهو السر في ابهام الفاضل والمفضول وانتصاب مثلا على التمييز أي هل يستوي حالاهما وصفتاهما والاقتصار في التمييز على الواحد لبيان الجنس وقرئ مثلين كقوله تعالى أكثر أموالا وأولادا باختلاف النوع أو لان المراد هل يستويان في الوصفين على ان الضمير للمثلين لان التقدير مثل رجل فيه الخ ومثل رجل الخ وقوله تعالى «الحمد لله» تقرير لما قبله من نفي الاستواء بطريق الاعتراض وتنبيه للموحدين على ان مالهم من المزية بتوفيق الله تعالى وانها نعمة جليلة موجبة عليهم ان يداموا على حمده وعبادته أو على ان بيانه تعالى بضرب المثل ان لهم المثل الاعلى وللمشركين مثل السوء صنع جميل ولطف تام منه عز وجل مستوجب لحمده وعبادته وقوله تعالى «بل أكثرهم لا يعلمون» اضراب وانتقال من بيان عدم الاستواء على الوجه المذكور إلى بيان ان أكثر الناس هم المشركون لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره فيبقون في ورطة الشرك والضلال وقوله تعالى «إنك ميت وإنهم ميتون» تمهيد لما يعقبه من الاختصام يوم القيامة وقرئ مائت ومائتون وقيل كانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم موته أي انكم جميعا بصدد الموت «ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم» أي مالك أموركم «تختصمون» فتحتج أنت عليهم بأنك بلغتهم ما أرسلت به من الاحكام والمواعظ التي من جملتها ما في تضاعيف هذه الآيات واجتهدت في الدعوة إلى الحق حق الاجتهاد وهم قد لجوا في المكابرة والعناد وقيل المراد به الاختصام العام الجاري في الدنيا بين الأنام والأول هو الأظهر الأنسب بقوله
(٢٥٣)