وعدهم الله جميع ما يشاءونه من زوال المضار وحصول المسار ليكفر عنهم بموجب ذلك الوعد أسوأ الذي عملوا دفعا لمضارهم «ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون» اعطاء لمنافعهم واظهار الاسم الجليل في موقع الاضمار لابراز كمال الاعتناء بمضمون الكلام وإضافة الا الأسوأ والأحسن إلى ما بعدهما ليست من قبيل إضافة المفضل إلى المفضل عليه بل من إضافة الشيء إلى بعضه للقصد إلى التحقيق والتوضيح من غير اعتبار تفضيله عليه وانما المعتبر فيهما مطلق الفضل والزيادة لا على المضاف اليه المعين بخصوصه كما في قولهم الناقص والأشج أعد لأنني مروان خلا ان الزيادة المعتبرة فيهما ليست بطريق الحقيقة بل هي في الأول بالنظر إلى ما يليق بحالهم من استعظام سيئاتهم وان قلت واستصغار حسناتهم وان جلت والثاني بالنظر إلى لطف أكرم الأكرمين من استكثار الحسنة اليسيرة ومقابلتها بالمثوبات الكثيرة وحمل الزيادة على الحقيقة وان أمكن في الأول بناء على أن تخصيص الأسوأ بالذكر لبيان تكفير ما دونه بطريق الأولوية ضرورة استلزام تكفير الأسوأ لتكفير السيء لكن لما لم يكن ذلك في الأحسن كان الأحسن نظمهما في سلك واحد من الاعتبار والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل في صلة الموصول الثاني دون الأول للايذان باستمرارهم على الاعمال الصالحة بخلاف السيئة «أليس الله بكاف عبده» انكار ونفي لعدم كفايته تعالى على أبلغ وجه وآكده كأن الكفاية من التحقق والظهور بحيث لا يقدر أحد على ان يتفوه بعدمها أو يتلعثم في الجواب بوجودها والمراد بالعبد اما رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الجنس المنتظم له عليه السلام انتظاما أوليا ويؤيده قراءة من قرا عباده وفسر بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكذا قراءة من قرا بكافي عباده على الإضافة ويكافىء عباده صيغة المغالبة اما من الكفاية لإفادة المبالغة فيها واما من المكافأة بمعنى المجازاة وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما قالت له قريش انا نخاف ان تخبلك آلهتنا ويصيبك مضرتها لعيبك إياها وفي رواية قالوا لتكفن عن شتم آلهتنا أو ليصيبنك منهم خبل أو جنون كما قال قوم هود ان نقول الا اعتراك بعض آلهتنا بسوء وذلك قوله تعالى «ويخوفونك بالذين من دونه» أي الأوثان التي اتخذوها آلهة من دونه تعالى والجملة استئناف وقيل حال «ومن يضلل الله» حتى غفل عن كفايته تعالى وعصمته له صلى الله عليه وسلم وخوفه بما لا ينفع ولا يضر أصلا «فما له من هاد» يهديه إلى خير ما «ومن يهد الله فما له من مضل» يصرفه عن مقصده أو يصيبه بسوء يخل بسلوكه إذ لا راد لفعله ولا معارض لإرادته كما ينطق به قوله تعالى «أليس الله بعزيز» غالب لا يغالب منيع لا يمانع ولا ينازع «ذي انتقام» ينتقم من أعدائه لأوليائه واظهار الاسم الجليل في موقع الاضمار لتحقيق مضمون الكلام وتربية المهابة
(٢٥٥)