لا يعتبر فيه ذلك; ولهذا تقول: " قواعد البيت "، ولا تقول: " جوالسه "; لأن مقصودك ما فيه ثبات; والقاف والعين والدال كيف تقلبت دلت على اللبث; والقعدة بقاء على حالة، والدقعاء للتراب الكثير الذي يبقى في مسيل الماء وله لبث طويل; وأما الجيم واللام والسين فهي للحركة، منه السجل للكتاب يطوى له ولا يثبت عنده، ولهذا قالوا في قعد: يقعد بضم الوسط، وقالوا: جلس يجلس بكسره; فاختاروا الثقيل لما هو أثبت.
إذا ثبت هذا فنقول: قال الله تعالى: * (مقاعد للقتال) * فإن الثبات هو المقصود.
وقال: * (اقعدوا مع القاعدين) *، أي لا زوال لكم، ولا حركة عليكم بعد هذا. وقال:
* (في مقعد صدق) * ولم يقل " مجلس " إذ لا زوال عنه.
وقال: * (إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس) *، إشارة إلى أنه يجلس فيه زمانا يسيرا ليس بمقعد; فإذا طلب منكم التفسح فافسحوا، لأنه لا كلفة فيه لقصره، ولهذا لا يقال: قعيد الملوك، وإنما يقال: جليسهم، لأن مجالسه الملوك يستحب فيها التخفيف; والقعيدة للمرأة; لأنها تلبث في مكانها.
* * * ومن ذلك " التمام " و " الكمال "، وقد اجتمعا في قوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) *، والعطف يقتضى المغايرة. فقيل: الإتمام لإزالة نقصان الأصل، والإكمال لإزالة نقصان العوارض بعد تمام الأصل; ولهذا كان قوله تعالى: * (تلك عشرة كاملة) *; أحسن من " تامة " فإن التمام من العدد قد علم; وإنما بقى احتمال نقص في صفاتها.