إنما لقصر الصفة على الموصوف، أو الموصوف على الصفة، وهي للحصر عند جماعة، كالنفي والاستثناء.
وفرق البيانيون بينهما، فقالوا: الأصل أن يكون ما يستعمل له " إنما " مما يعلمه المخاطب ولا ينكره، كقولك: إنما هو أخو ك، وإنما هو صاحبك القديم; لمن يعلم ذلك ويقر به. وما يستعمل له النفي والاستثناء، على العكس، فأصله أن يكون مما يجهله المخاطب وينكره، نحو: * (وما من اله إلا الله) *.
ثم إنه قد ينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب، فيستعمل له النفي والاستثناء، نحو: * (وما محمد إلا رسول...) * الآية، ونحو: * (إن أنتم إلا بشر مثلنا) * والرسل ما كانوا على دفع البشرية عن أنفسهم وادعاء الملائكية; لكن الكفار كانوا يعتقدون أن الله لا يرسل إلا الملائكة، وجعلوا أنهم بادعائهم النبوة ينفون عن أنفسهم البشرية، فأخرج الكلام مخرج ما يعتقدون، وأخرج الجواب أيضا مخرج ما قالوا، حكاية لقولهم، كما يحكى المجادل كلام خصمه، ثم يكر عليه بالإبطال، كأنه قيل: الأمر كما زعمتم أننا بشر، ولكن ليس الأمر كما زعمتم من اختصاص الملائكة بالرسالة، فإن الله يبعث من الملائكة رسلا ومن الناس.
وقد ينزل المجهول منزلة المعلوم لادعاء المتكلم ظهوره، فيستعمل له " إنما "، كقوله تعالى: * (إنما نحن مصلحون) *، فإن كونهم مصلحين منتف فهو مجهول، بمعنى أنه لم يعلم بينهم صلاح، فقد نسبوا الإصلاح إلى أنفسهم، وادعوا أنهم كذلك ظاهر جلى، ولذلك جاء الرد عليهم مؤكدا من وجوه.