لكن للاستدراك مخففة ومثقلة; وحقيقته رفع مفهوم الكلام السابق، تقول: ما زيد شجاع ولكنه غير كريم، فرفعت ب " لكن " ما أفهمه الوصف بالشجاعة من ثبوت الكرم له، لكونهما كالمتضايفين; فإن رفعنا ما أفاده منطوق الكلام السابق فذاك استثناء; وموقع الاستدراك بين متنافيين بوجه ما; فلا يجوز وقوعها بين متوافقين، وقوله تعالى: * (ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم) *، لكونه جاء في سياق " لو "، " ولو " تدل على امتناع الشئ لامتناع غيره; فدل على أن الرؤية ممتنعة في المعنى; فلما قيل:
* (ولكن الله سلم) * علم إثبات ما فهم إثباته أولا وهو سبب التسليم; وهو نفى الرؤية، فعلم أن المعنى: ولكن الله ما أراكهم كثيرا ليسلمكم، فحذف السبب وأقيم المسبب مقامه.
قال ابن الحاجب: الفرق بين " بل " و " لكن "; وإن اتفقا في أن الحكم للثاني; أن " لكن " وضعها على مخالفة ما بعدهما لما قبلهما، ولا يستقيم تقديره إلا مثبتا لامتناع تقدير النفي في المفرد; وإذا كان مثبتا وجب أن يكون ما قبله نفيا، كقولك:
ما جاءني زيد لكن عمرو; ولو قلت: جاءني زيد لكن عمرو، لم يجز لما ذكرنا. وأما بل فللإضراب مطلقا، موجبا كان الأول أو منفيا.
وإذا ثقلت فهي من أخوات " إن " تنصب الاسم وترفع الخبر; ولا يليها الفعل.
وأما وقوع المرفوع بعدها في قوله تعالى: * (لكنا هو الله ربى) *، و " هو " ضمير الرفع، فجوابه أنها هنا ليست المثقلة بل هي المخففة; والتقدير: لكن أنا هو الله ربى;