قاعدة فيما ورد في القرآن مجموعا ومفردا، والحكم في ذلك فمنه أنه حيث ورد ذكر " الأرض " في القرآن فإنها مفردة، كقوله تعالى: * (خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن) *، وحكمته أنها بمنزلة السفل والتحت، ولكن وصف بها هذا المكان المحسوس، فجرت مجرى امرأة زور، وضيف; فلا معنى لجمعهما كما لا يجمع الفوق والتحت، والعلو والسفل; فإن قصد المخبر إلى جزء من هذه الأرض الموطوءة وعين قطعة محدودة منها خرجت عن معنى السفل الذي هو في مقابلة العلو، فجاز أن تثنى إذا ضممت إليها جزءا آخر. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " طوقه من سبع أرضين " فجمعها لما اعتمد الكلام على ذات الأرض، وأثبتها على التفصيل والتعيين لآحادها، دون الوصف بكونها تحت أو سفل في مقابلة علو، وأما جمع السماوات، فإن المقصود بها ذاتها دون معنى الوصف، فلهذا جمعت جمع سلامة; لأن العدد قليل، وجمع القليل أولى به، بخلاف الأرض; فإن المقصود بها معنى التحت والسفل، دون الذات والعدد.
وحيث أريد بها الذات والعدد أتى بلفظ يدل على التعدد، كقوله تعالى: * (ومن الأرض مثلهن) *.
وأيضا فإن الأرض لا نسبة إليها إلى السماوات وسعتها، بل هي بالنسبة إليها كحصاة في صحراء، فهي وإن تعددت، كالواحد القليل; فاختير لها اسم الجنس.
وأيضا فالأرض هي دار الدنيا التي يحيى بالنسبة إلى الآخرة، كما يدخل الإنسان إصبعه في اليم، فما يلعق بها هو مثال الدنيا; والله تعالى لم يذكر الدنيا إلا مقللا لها.