ولما لم يطرد لهم هذا التفسير مع اعتقادهم صحته، اختلفوا في تخريجها على طرق:
الأول: دعوى أنها في مثل هذه المواضع - أعني الثابت فيها الثاني دائما - إنما جاءت لمجرد الدلالة على ارتباط الثاني بالأول، لا للدلالة على الامتناع، وضابطها ما يقصد به الدلالة على مجرد الارتباط دون امتناع كل موضع قصد فيه ثبوت شئ على كل حال، فيربط ذلك الشئ بوجود أحد النقيضين لوجوده دائما، ثم لا يذكر إذ ذاك إلا النقيض الذي يلزم من وجود ذلك الشئ، على تقدير وجود النقيض الآخر، فعدم النفاد في الآية الكريمة واقع على تقدير كون ما في الأرض من شجرة أقلام، وكون البحر مد من سبعة أبحر، فعدم النفاد على تقدير انتفاء كون هذين الأمرين أولى. وكذا عدم عصيان صهيب واقع على تقدير عدم خوفه، فعدم عصيانه على تقدير وجود الخوف أولى. وعلى هذا يتقرر جميع ما يرد عليك من هذا الباب.
والتحقيق أنها تفيد امتناع الشرط كما سبق من الآيات الشريفة. وتحصل أنها تدل على أمرين:
أحدهما: امتناع شرطها، والآخر بكونه مستلزما لجوابها، ولا يدل على امتناع الجواب في نفس الأمر ولا ثبوته; فإذا قلت: لو قام زيد لقام عمرو، فقيام زيد محكوم بانتفائه فيما مضى، وبكونه مستلزما ثبوته لثبوت قيام عمرو، وهل لقيام عمرو وقت آخر غير اللازم عن قيام، أو ليس له؟ لا يعرض في الكلام لذلك; ولكن الأكثر كون الثاني والأول غير واقعين.
وقد سلب الإمام فخر الدين الدلالة على الامتناع مطلقا، وجعلها لمجرد الربط، واحتج بقوله تعالى: * (ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا) *، قال: