رابعها: عكسه وهو حرف وجوب لامتناع، نحو: لو جئتني لم أكرمك، فيقتضى ثبوت الجزاء وانتفاء الشرط، ومنه قوله تعالى: * (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء) *.
واعلم أن تفسير سيبويه لها مطرد في جميع مواردها، ألا ترى أن مفهوم الآية عدم نفاد كلمات الله مع فرض شجر الأرض أقلاما والبحر ممدودا بسبعة أبحر مدادا، ولا يلزم ألا يقع عدم نفاد الكلمات إذا لم يجعل الشجر أقلاما والبحر مدادا.
وكذا في " نعم العبد صهيب " فإن مفهومه أن عدم العصيان كان يقع عند عدم الخوف، ولا يلزم ألا يقع عدم العصيان إلا عند الخوف، وهكذا الباقي.
وأما تفسير من فسرها بأنها حرف امتناع لامتناع، وذكر لها هذه الأحوال الأربعة فلا يطرد، وذلك لتخلف هذا المعنى في بعض الموارد; وهو كل موضوع دل الدليل فيه على أن الثاني ثابت مطلقا; إذ لو كان منفيا لكان النفاد حاصلا، والعقل يجزم بأن الكلمات إذا لم تنفد مع كثرة هذه الأمور فلأن تنفد مع قلتها وعدم بعضها أولى.
وكذا قوله تعالى: * (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا) *.
وكذا قوله: * (ولو أسمعهم لتولوا) *، فإن التولي عند عدم الإسماع أولى.
وأما قوله: " نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه " فنفى العصيان ثابت، إذ لو انتفى نفى العصيان لزم وجوده; وهو خلاف ما يقتضيه سياق الكلام في المدح.