أملك لك من الله من شئ ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير (4) ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم (5) لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد (6) يقول تعالى لعباده المؤمنين الذين أمرهم بمصارمة الكافرين وعداوتهم ومجانبتهم والتبري منهم " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه " أي وأتباعه الذين آمنوا معه " إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم " أي تبرأنا منكم " ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم " أي بدينكم وطريقكم " وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا " يعني وقد شرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم ما دمتم على كفركم فنحن أبدا نتبرأ منكم ونبغضكم " حتى تؤمنوا بالله وحده " أي إلى أن توحدوا الله فتعبدوه وحده لا شريك له وتخلعوا ما تعبدون معه من الأوثان والأنداد. وقوله تعالى " إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك " أي لكم في إبراهيم وقومه أسوة حسنة تأسون بها إلا في استغفار إبراهيم لأبيه فإنه إنما كان عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه وذلك أن بعض المؤمنين كانوا يدعون لآبائهم الذين ماتوا على الشرك ويستغفرون لهم ويقولون إن إبراهيم كان يستغفر لأبيه فأنزل الله عز وجل " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربي من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم * وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لاواه حليم ". وقال تعالى في هذه الآية الكريمة " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم - إلى قوله تعالى - إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله شئ " أي ليس لكم في ذلك أسوة أي في الاستغفار للمشركين هكذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومقاتل بن حيان والضحاك وغير واحد.
ثم قال تعالى مخبرا عن قول إبراهيم والذين معه حين فارقوا قومهم وتبرؤوا منهم فلجأوا إلى الله وتضرعوا إليه فقالوا " ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير " أي توكلنا عليك في جميع الأمور وسلمنا أمورنا إليك وفوضناها إليك وإليك المصير: أي المعاد في الدار الآخرة " ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا " قال مجاهد:
معناه لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولوا لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا وكذا قال الضحاك وقال قتادة لا تظهرهم علينا فيفتنونا بذلك يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه واختاره ابن جرير وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس لا تسلطهم علينا فيفتنونا وقوله تعالى " واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم " أي واستر ذنوبنا عن غيرك واعف عنها فيما بيننا وبينك " إنك أنت العزيز " أي الذي لا يضام من لاذ بجنابك " الحكيم " في أقوالك وأفعالك وشرعك وقدرك ثم قال تعالى " لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر " وهذا تأكيد لما تقدم ومستثني منه ما تقدم أيضا لأن هذه الأسوة المثبتة ههنا هي الأولى بعينها.
وقوله تعالى " لمن كان يرجو الله واليوم الآخر " تهييج إلى ذلك لكل مؤمن بالله والمعاد وقوله تعالى " ومن يتول " أي عما أمر الله به " فإن الله هو الغني الحميد " كقوله تعالى " إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد " وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس الغني الذي قد كمل في غناه وهو الله هذه صفته لا تنبغي إلا له ليس له كف ء وليس كمثله شئ سبحان الله الواحد القهار والحميد المستحمد إلى خلقه أي هو المحمود في جميع أقواله وأفعاله لا إله غيره ولا رب سواه.
* عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم (7) لا ينهاكم الله عن الذين