الأرضون كل واحدة أوسع من التي دونها حتى ينتهي السفول المطلق والمحل الأضيق إلى المركز في وسط الأرض السابعة ولما كان مصير الفجار إلى جهنم وهي أسفل السافلين كما قال تعالى " ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " وقال ههنا " كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين " وهو يجمع الضيق والسفول كما قال تعالى " وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا " وقوله تعالى (كتاب مرقوم) ليس تفسيرا لقوله " وما أدراك ما سجين " وإنما هو تفسير لما كتب لهم من المصير إلى سجين أي مرقوم مكتوب مفروغ منه لا يزاد فيه أحد ولا ينقص منه أحد. قاله محمد بن كعب القرظي ثم قال تعالى (ويل يومئذ للمكذبين) أي إذا صاروا يوم القيامة إلى ما أوعدهم الله من السجن والعذاب المهين وقد تقدم الكلام على قوله ويل بما أغنى عن إعادته وأن المراد من ذلك الهلاك والدمار كما يقال ويل لفلان وكما جاء في المسند والسنن من رواية بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك الناس ويل له ويل له " ثم قال تعالى مفسرا للمكذبين الفجار الكفرة (الذين يكذبون بيوم الدين) أي لا يصدقون بوقوعه ولا يعتقدون كونه ويستبعدون أمره قال الله تعالى (وما يكذب به إلا كل معتد أثيم) أي معتد في أفعاله من تعاطي الحرام والمجاوزة في تناول المباح والأثيم في أقواله إن حدث كذب وإن وعد أخلف وإن خاصم فجر وقوله تعالى (إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين) أي إذا سمع كلام الله تعالى من الرسول يكذب به ويظن به ظن السوء فيعتقد أنه مفتعل مجموع من كتب الأوائل كما قال تعالى " وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين " وقال تعالى " وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا " قال الله تعالى (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) أي ليس الامر كما زعموا ولا كما قالوا إن هذا القرآن أساطير الأولين بل هو كلام الله ووحيه وتنزيله على رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما حجب قلوبهم عن الايمان به ما عليها من الرين الذي قد لبس قلوبهم من كثرة الذنوب والخطايا ولهذا قال تعالى " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " والرين يعتري قلوب الكافرين والغيم للأبرار والغين للمقربين وقد روى ابن جرير والترمذي والنسائي وابن ماجة من طرق عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب منها صقل قلبه وإن زاد زادت " فذلك قول الله تعالى " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " وقال الترمذي حسن صحيح ولفظ النسائي " إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكت في قلبه نكتة سوداء فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فهو الران الذي قال الله تعالى " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ".
وقال أحمد حدثنا صفوان بن عيسى أخبرنا ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه فإن زاد زادت حتى تعلو قلبه وذاك الران الذي ذكر الله في القرآن " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " وقال الحسن البصري هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت وكذا قال مجاهد بن جبير وقتادة وابن زيد وغيرهم. وقوله تعالى (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) أي لهم يوم القيامة منزل ونزل سجين ثم هم يوم القيامة مع ذلك محجوبون عن رؤية ربهم وخالقهم قال الإمام أبو عبد الله الشافعي: وفي هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه عز وجل يومئذ وهذا الذي قاله الإمام الشافعي رحمه الله في غاية الحسن وهو استدلال بمفهوم هذه الآية: كما دل عليه منطوق قوله تعالى " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " وكما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح المتواترة في رؤية المؤمنين ربهم عز وجل في الدار الآخرة رؤية بالابصار في عرصات القيامة وفي روضات الجنان الفاخرة. وقد قال ابن جرير حدثنا أبو معمر المقري حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن عمرو بن عبيد عن الحسن في قوله تعالى " كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " قال يكشف الحجاب فينظر إليه