بسم الله الرحمن الرحيم إذا السماء انشقت (1) وأذنت لربها وحقت (2) وإذا الأرض مدت (3) وألقت ما فيها وتخلت (4) وأذنت لربها وحقت (5) يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه (6) فأما من أوتي كتابه بيمينه (7) فسوف يحاسب حسابا يسيرا (8) وينقلب إلى أهله مسرورا (9) وأما من أوتي كتابه وراء ظهره (10) فسوف يدعوا ثبورا (11) ويصلى سعيرا (12) إنه كان في أهله مسرورا (13) إنه ظن أن لن يحور (14) بلى إن ربه كان به بصيرا (15) يقول تعالى (إذا السماء انشقت) وذلك يوم القيامة " وأذنت لربها " أي استمعت لربها وأطاعت أمره فيما أمرها به من الانشقاق وذلك القيامة " وحقت " أي وحق لها أن تطيع أمره لأنه العظيم الذي لا يمانع ولا يغالب بل قد قهر كل شئ وذل له كل شئ ثم قال (وإذا الأرض مدت) أي بسطت وفرشت ووسعت قال ابن جرير حدثنا ابن عبد الاعلى حدثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري عن علي بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه فأكون أول من يدعى وجبريل عن يمين الرحمن والله ما رآه قبلها فأقول يا رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي فيقول الله عز وجل صدق ثم أشفع فأقول يا رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض - قال - وهو المقام المحمود ". وقوله تعالى (وألقت ما فيها وتخلت) أي ألقت ما في بطنها من الأموات وتخلت منهم قاله مجاهد وسعيد وقتادة (وأذنت لربها وحقت) كما تقدم. وقوله (يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا) أي إنك ساع إلى ربك سعيا وعامل عملا " فملاقيه " ثم إنك ستلقى ما عملت من خير أو شر. ويشهد لذلك ما رواه أبو داود الطيالسي عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال جبريل يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه وأعمل ما شئت فإنك ملاقيه " ومن الناس من يعيد الضمير على قوله ربك أي فملاق ربك ومعناه فيجازيك بعملك ويكافئك على سعيك وعلى هذا فكلا القولين متلازم قال العوفي عن ابن عباس " يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا " يقول تعمل عملا تلقى الله به خيرا كان أو شرا. وقال قتادة " يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا " إن كدحك يا ابن آدم لضعيف فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ولا قوة إلا بالله. ثم قال تعالى (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا) أي سهلا بلا تعسير أي لا يحقق عليه جميع دقائق أعماله فإن من حوسب كذلك هلك لا محالة. وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نوقش الحساب عذب " قالت: فقلت: أفليس قال الله تعالى " فسوف يحاسب حسابا يسيرا " قال " ليس ذاك بالحساب ولكن ذلك العرض من نوقش الحساب يوم القيامة عذب " وهكذا رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير من حديث أيوب السختياني به وقال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا روح بن عبادة حدثنا أبو عامر الخزاز عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا معذبا " فقلت أليس الله يقول " فسوف يحاسب حسابا يسيرا " قال " ذاك العرض إنه من نوقش الحساب عذب " وقال بيده على أصبعه كأنه ينكت وقد
(٥٢١)