كفروا لولوا الادبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا (22) سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا (23) وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا (24) قال مجاهد في قوله تعالى " وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها " هي جميع المغانم إلى اليوم " فعجل لكم هذه " يعني فتح خيبر وروى العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما " فعجل لكم هذه " يعني صلح الحديبية " وكف أيدي الناس عنكم " أي لم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة والقتال وكذلك كف أيدي الناس عنكم الذين خلفتموهم وراء ظهوركم عن عيالكم وحريمكم " ولتكون آية للمؤمنين " أي يعتبرون بذلك فإن الله تعالى حافظهم وناصرهم على سائر الأعداء مع قلة عددهم وليعلموا بصنيع الله هذا بهم أنه العالم بعواقب الأمور وأن الخيرة فيما يختاره لعباده المؤمنين وإن كرهوه في الظاهر كما قال عز وجل " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم " " ويهديكم صراطا مستقيما " أي بسبب انقيادكم لامره واتباعكم طاعته وموافقتكم رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله تبارك تعالى (وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شئ قديرا) أي وغنيمة أخرى وفتحا آخر معينا لم تكونوا تقدرون عليها قد يسرها الله عليكم وأحاط بها لكم فإنه تعالى يرزق عباده المتقين له من حيث لا يحتسبون وقد اختلف المفسرون في هذه الغنيمة ما المراد بها فقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما هي خيبر وهذا على قوله في قوله عز وجل " فعجل لكم هذه " إنها صلح الحديبية وقاله الضحاك وابن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقال قتادة هي مكة واختاره ابن جرير وقال ابن أبي ليلى والحسن البصري هي فارس والروم وقال مجاهد هي كل فتح وغنيمة إلى يوم القيامة وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن سماك الحنفي عن ابن عباس رضي الله عنهما " وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها " قال هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم وقوله تعالى (ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الادبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا) يقول عز وجل مبشرا لعباده المؤمنين بأنه لو ناجزهم المشركون لنصر الله رسوله وعباده المؤمنين عليهم ولا نهزم جيش الكفر فارا مدبرا لا يجدون وليا ولا نصيرا لانهم محاربون لله ولرسوله ولحزبه المؤمنين ثم قال تبارك وتعالى " سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا " أي هذه سنة الله وعادته في خلقه ما تقابل الكفر والايمان في موطن فيصل إلا نصر الله الايمان على الكفر فرفع الحق ووضع الباطل كما فعل تعالى يوم بدر بأوليائه المؤمنين نصرهم على أعدائه من المشركين مع قلة عدد المسلمين وعددهم وكثرة المشركين وعددهم وقوله سبحانه وتعالى (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم وكان الله بما تعملون بصيرا) هذا امتنان من الله تعالى على عباده المؤمنين حين كف أيدي المشركين عنهم فلم يصل إليهم منهم سوء. وكف أيدي المؤمنين عن المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام بل صان كلا من الفريقين وأوجد بينهم صلحا فيه خيرة للمؤمنين وعاقبة لهم في الدنيا والآخرة. وقد تقدم في حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه حين جاءوا بأولئك السبعين الأسارى فأوثقوهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليهم فقال " أرسلوهم يكن لهم بدء الفجور وثناؤه " قال وفي ذلك أنزل الله عز وجل " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم " الآية.
وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حماد عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة بالسلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليهم فأخذوا قال عفان فعفا عنهم ونزلت هذه الآية " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم " ورواه مسلم وأبو داود في سننه والترمذي والنسائي في التفسير من