هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب * الذين يجادلون فى ءايات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين ءامنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) * واعلم أن مؤمن آل فرعون لما قال: * (ومن يضلل الله فما له من هاد) * (غافر: 33) ذكر لهذا مثلا، وهو أن يوسف لما جاءهم بالبينات الباهرة فأصروا على الشك والشبهة، ولم ينتفعوا بتلك الدلائل، وهذا يدل على أن من أضله الله فما له من هاد وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قيل إن يوسف هذا هو يوسف بن يعقوب عليهما السلام، ونقل صاحب " الكشاف " يوسف بن أفراييم بن يوسف بن يعقوب أقام فيهم نيفا وعشرين سنة، وقيل إن فرعون موسى هو فرعون يوسف بقي حيا إلى زمانه وقيل فرعون آخر، والمقصود من الكل شيء واحد وهو أن يوف جاء قومه بالبينات، وفي المراد بها قولان الأول: أن المراد بالبينات قوله * (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) * (يوسف: 39)، والثاني: المراد بها المعجزات، وهذا أولى، ثم إنهم بقوا في نبوته شاكين مرتابين، ولم ينتفعوا البتة بتلك البينات، فلما مات قالوا إنه * (لن يبعث الله من بعده رسولا) * وإنما حكموا بهذا الحكم على سبيل التشهي والتمني من غير حجة وبرهان، بل إنما ذكروا ذلك ليكون ذلك أساسا لهم في تكذيب الأنبياء الذين يأتون بعد ذلك وليس في قولهم * (ين يبعث الله من بعد رسولا) * لأجل تصديق رسالة يوسف وكيف وقد شكوا فيها وكفروا بها وإنما هو تكذيب لرسالة من هو بعده مضموما إلى تكذيب رسالته، ثم قال: * (كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب) * أي مثل هذا الضلال يضل الله كل مسرف في عصيانه مرتاب في دينه، قال الكعبي هذه الآية حجة لأهل القدر لأنه تعالى بين كفرهم، ثم بين أنه تعالى إنما أضلهم لكونهم مسرفين مرتابين، فثبت أن العبد ما لم يضل عن الدين، فإن الله تعالى لا يضله. ثم بين تعالى ما لأجله بقوا في ذلك الشك والإسراف فقال: * (الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان) * أي بغير حجة، بل إما بناء على التقليد المجرد، وإما بناء على شبهات خسيسة * (كبر مقتا عند الله) * والمقت هو أن يبلغ المرء في القوم مبلغا عظيما فيمقته الله ويبغضه ويظهر خزيه وتعسه. وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في ذمة لهم بأنهم يجادلون بغير سلطان دلالة على أن الجدال بلا حجة حسن وحق وفيه إبطال للتقليد.