فغفر له إنه هو الغفور الرحيم * قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين) * (القصص: 16، 17) وحكى تعالى عن داود * (فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب) * (ص: 24) وعن سليمان أنه قال: * (رب اغفر لي وهب لي ملكا) * (ص: 35) وعن ذكريا أنه * (نادى ربه نداء خفيا) * (مريم: 3) وعن عيسى عليه السلام أنه قال: * (ربنا أنزل علينا مائدة من السماء) * (المائدة: 114) وعن محمد صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال له: * (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين) * (المؤمنون: 97) وحكى عن المؤمنون أنهم قالوا * (ربنا ما خلقت هذا باطلا) * (آل عمران: 191) وأعادوا هذه اللفظة خمس مرات، وحكى أيضا عنهم أنهم قالوا * (غفرانك ربنا وإليك المصير) * (البقرة: 285) إلى آخر السورة.
فثبت بما ذكرنا أن من أرضى الدعاء أن ينادي العبد ربه بقوله يا رب وتمام الإشكال فيه أن يقال لفظ الله أعظم من لفظ الرب، فلم صار لفظ الرب مختصا بوقت الدعاء؟، والجواب كأن العبد يقول: كنت في كتم العدم والمحض والنفي الصرف، فأخرجتني إلى الوجود، وربيتني فاجعل تربيتك لي شفيعا إليك في أن لا تخليني طرفة عين عن تربيتك وإحسانك وفضلك.
المسألة الثانية: السنة في الدعاء، يبدأ في بالثناء على الله تعالى، ثم يذكر الدعاء عقيبه، والدليل عليه هذه الآية، فإن الملائكة لما عزموا على الدعاء والاستغفار للمؤمنين بدأوا بالثناء فقالوا * (ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما) * وأيضا أن الخليل عليه السلام لما أراد أن يذكر الدعاء ذكر الثناء أولا فقال: * (الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني يسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) * (الشعراء: 78 - 82) فكل هذا ثناء على الله تعالى، ثم بعده ذكر الدعاء فقال: * (رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين) * (الشعراء: 83).
واعلم أن العقل يدل أيضا على رعاية هذا الترتيب، وذلك ذكر الله بالثناء والتعظيم بالنسبة إلى جوهر الروح كالإكسير الأعظم بالنسبة إلى النحاس، فكما أن ذرة من الإكسير إذا وقعت على عالم من النحاس انقلب الكل ذهبا إبريزا فكذلك إذا وقعت ذرة من إكسير معرفة جلال الله تعالى على جوهر الروح النطقية، انقلب من نحوسة النحاسة إلى صفاء القدس وبقاء عالم الطهارة، فثبت أن عند إشراق نور معرفة الله تعالى في جواهر الروح، يصير الروح أقوى صفاء وأكمل إشراقا، ومتى صار كذلك كانت قوته أقوى وتأثيره أكمل، فكان حصول الشيء المطلوب أقرب وأكمل، وهذا هو السبب في تقديم الثناء على الله على الدعاء.
المسألة الثالثة: اعلم أن الملائكة وصفوا الله تعالى بثلاثة أنواع من الصفات: الربوبية والرحمة والعلم، أما الربوبية فهي إشارة إلى الإيجاد والإبداع، وفيه لطيفة أخرى وهي أن قولهم