الآخرة) * والحرث لا يتأتى إلا بإلقاء البذر الصحيح في الأرض، والبذر الصحيح لجميع الخيرات والسعادات ليس إلا عبودية الله تعالى.
المسألة الرابعة: قال أصحابنا إذا توضأ بغير نية لم يصح، قالوا لأن هذا الإنسان ما أراد حرث الآخرة، لأن الكلام فيما إذا كان غافلا عن ذكر الله وعن الآخرة، فوجب أن لا يحصل له نصيب فيما يتعلق بالآخرة والخروج عن عهدة الصلاة من باب منافع الآخرة، فوجب أن لا يحصل في الوضوء العاري عن النية. وأعلم أن الله تعالى لما بين القانون الأعظم والقسطاس الأقوم في أعمال الآخرة والدنيا أردفه بالتنبيه على ما هو الأصل في باب الضلالة والشقاوة فقال: * (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) * ومعنى الهمزة في أم التقرير والتقريع و * (شركاؤهم) * شياطينهم الذين زينوا الشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا لأنهم يعلمون غيرها، وقيل * (شركاؤهم) * أوثانهم، وإنما أضيفت إليهم لأنهم هم الذين اتخذوها شركاء الله، ولما كان سببا لضلالتهم جعلت شارعة لدين الضلالة كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: * (رب إنهن أضللن كثيرا من الناس) * (إبراهيم: 36) وقوله * (شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) * يعني أن تكل الشرائع بأسرها على ضدين لله، ثم قال: * (ولولا كلمة الفصل) * أي القضاء السابق بتأخير الجزاء، أو يقال ولولا الوعد بأن الفصل أن يكون يوم القيمة * (لقضي بينهم) * أي بين الكافرين والمؤمنين أو بين المشركين وشركائهم * (وإن الظالمين لهم عذاب أليم) * وقرأ بعضهم، وأن بفتح الهمزة في أن عطفا له على كلمة الفصل يعني * (ولولا كلمة الفصل) * وأن تقريره تعذيب الظالمين في الآخرة * (لقضي بينهم) * في الدنيا إنه تعالى ذكر أحوال أهل العقاب وأحوال أهل الثواب الأول: فهو قوله * (ترى الظالمين مشفقين) * خائفين خوفا شديدا * (مما كسبوا) * من السيئات * (وهو واقع بهم) * يريد أن وباله واقع بهم سواء أشفقوا أو لم يشفقو، أما الثاني: فهو أحوال أهل الثواب وهو قوله تعالى: * (والذين آمنوا وعلموا الصالحات في روضات الجنات) * لأن روضة الجنة أطيب بقعة فيها، وفي الآية تنبيه على أن الفساق من أهل الصلاة كلهم في الجنة، إلا أنه خص الذين آمنوا وعملوا الصالحات بروضات الجنات، وهي البقاع الشريفة من الجنة، فالبقاع التي دون تلك الروضات لا بد وأن تكون مخصوصة بمن كان دون أولئك الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم قال: * (لهم ما يشاءون عند ربهم) * وهذا يدل على أن كل الأشياء حاضرة عنده مهيأة، ثم قال تعالى في تعظيم هذه الدرجة * (ذلك هو الفضل الكبير) * وأصحابنا استدلوا بهذه الآية على أن الثواب غير واجب على الله، وإنما يحصل بطريق الفضل من الله تعالى قال: * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم) * فهذا يدل على أن روضات الجنات ووجدان كل ما يريدونه إنما كان جزاء على الإيمان والأعمال الصالحات.