ومما يدعوا إلى الدهشة والعجب حقا، ويملأ النفس بالأسف الممض، أن يكون ابن حزم عريا عن ذلك كله، متنكبا سبيل العلم والأخلاق والدين في حديثه عن الباقلاني لأنه أشعري، وهو ظاهري يبغض الأشاعرة جميعا، ويصفهم بخبث المقالة وفساد الدين واستسهال الكذب على الله جهارا، وعلى رسوله بلا رهبة، ويقول عنهم: " والحمد لله الذي لم يجعلنا من أهل هذه الصفة المرذولة، ولا من هذه العصابة المخذولة " ويحمد الله على ضعفهم في عصره، فيقول: " وأما الأشاعرة فكانوا ببغداد والبصرة، ثم قامت لهم سوق بصقلية والقيروان والأندلس، ثم رق أمرهم، والحمد لله رب العالمين! " وهو ينسب إليهم أقوالا لم يقولوها، ومذاهب لم يذهبوا إليها، ثم يندفع في تكفيرهم، وكيل الشتائم لهم، كما صنع في باب الرد على من زعم أن الأنبياء والرسل ليسوا اليوم أنبياء ولا رسلا، حيث يقول 1 / 88: " حديث فرقة مبتدعة، تزعم أن محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، ليس هو الآن رسول الله، ولكنه كان رسول الله. وهذا قول ذهب إليه الأشعرية. وهذه مقالة خبيثة، مخالفة لله تعالى ولرسوله، ولما أجمع عليه جميع أهل الاسلام منذ كان الاسلام إلى يوم القيامة. ونعوذ بالله من هذا القول، فإنه كفر صراح لا ترداد فيه " ثم اندفع في إبطال هذا القول في شدة وعنف، ونسى أو تناسى أن هذا القول لم يقل به أحد من الأشاعرة، وإنما نسبه إليهم بعض الكرامية، واشتد نكيرهم على من نسبه إليهم، وبينوا إنه مختلق على إمامهم الاجل أبى الحسن الأشعري.
وفى ذلك يقول أبو القاسم القشيري (376 - 475) في كتابه: " شكاية أهل السنة " -: " فأما ما حكى عنه وعن أصحابه أنهم يقولون: إن محمدا صلى الله عليه وسلم، ليس بنبي في قبره، ولا رسول بعد موته، فبهتان عظيم، وكذب محض، لم ينطق به أحد منهم، ولا سمع في مجلس مناظرة ذلك عنهم، ولا وجد ذلك في كتاب لهم. " وليس أدل على كذب هذا القول على الأشاعرة من قول الباقلاني عنه - في كتاب رسالة الحرة المسمى بالإنصاف ص 55: " ويجب أن يعلم أن نبوات