" وسمعت شيخي الامام أبا منصور، الفقيه الأصبهاني، يقول: سمعت شيخنا الامام أبا بكر الزاذاقاني يقول: كنت في درس الشيخ أبى حامد الأسفراييني وكان ينهى أصحابه عن الكلام، وعن الدخول على الباقلاني. فبلغه أن نفرا من أصحابه يدخلون عليه خفية لقراءة الكلام، فظن أنى معهم ومنهم، وذكر قصة قال في آخرها: إن الشيخ أبا حامد قال لي: يا بنى، بلغني أنك تدخل على هذا الرجل - يعنى الباقلاني - فإياك وإياه، فإنه مبتدع يدعوا الناس إلى الضلالة وإلا فلا تحضر مجلسي، فقلت: أنا عائذ بالله مما قيل! وتائب إليه! واشهدوا على أنى لا أدخل عليه! " وأعجب مما سبق قوله أيضا: " كان الشيخ أبو حامد: أحمد بن أبي طاهر الأسفراييني - إمام الأئمة الذي طبق الأرض علما وأصحابا - إذا سعى إلى الجمعة من قطيعة الكرخ إلى جامع المنصور، يدخل الرباط المعروف بالروزي المحاذي للجامع، ويقبل على من حضر ويقول: اشهدوا على بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، كما قاله أحمد بن حنبل، لا كما يقوله الباقلاني، وتكرر ذلك منه في جمعات، فقيل له في ذلك، فقال: حتى ينتشر في الناس وفى أهل الصلاح، ويشيع الخبر في البلاد: أنى برئ مما هم عليه - يعنى الأشاعرة - وبرئ من مذهب أبي بكر الباقلاني، فإن جماعة من المتفقهة الغرباء، يدخلون على الباقلاني خفية فيقرأون عليه، فيفتون بمذهبه، فإذا رجعوا إلى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة، فيظن ظان أنهم منى تعلموه وأنا قلته، وأنا برئ من مذهب الباقلاني وعقيدته ".
هذا قول الأسفراييني في معاصره الباقلاني، وهو قول سداه الاسراف والتجني، ولحمته الهوى والعصبية، وما كان الباقلاني مبتدعا يدعوا الناس إلى الضلالة، وما كان مذهبه فاسدا، ولا عقيدته مدخولة، بحيث يتبرأ منهما مسلم، ولكن العصبية قاهرة غلابة، والتعاصر مع التماثل في الصناعة مدرجة العداوة والبغضاء.
(21) ذكر أبو حيان التوحيدي في كتاب: " الامتاع والمؤانسة " 1 / 143