من طلب الحق ونصرته، وتنكب الباطل وتجنبه، واعتماد القربة باعتقاد المفروض في أحكام الدين، واتباع السلف الصالح من المؤمنين، من ذكر جمل ما يجب على المكلفين اعتقاده، ولا يسع الجهل به، وما إذا تدين به المرء صار إلى التزام الحق المفروض، والسلامة من البدع والباطل المرفوض. وإني - بحول الله تعالى وعونه، ومشيئته وطوله - أذكر " لها " جملا مختصرة، تأتى على البغية من ذلك، ويستغنى بالوقوف عليها من الطلب، واشتغال الهمة بما سواه. فنقول وبالله التوفيق:
إن الواجب على المكلف.. " وقول الباقلاني هذا، يدل دلالة قاطعة على أنه يقدم لرسالة الحرة، لا لكتاب الانصاف. ولست أدرى كيف مر محقق الكتاب على هذا الكلام، دون أن ينتبه لدلالته الناطقة باسمه، مع علمه بأن القاضي عياضا قد ذكر " رسالة الحرة " ضمن مؤلفات الباقلاني، ولم يذكر " الانصاف "!
ولست أدرى كيف فاته مع ذلك أن يتنبه إلى النصين الدخيلين على كلام الباقلاني في هذا الكتاب - في ص 58، 64 - والمصدرين بقول كاتبهما:
" قال الشيخ لأجل الامام جمال الاسلام: ووقع لي أنا دليل.. ". و " قال الشريف الاجل جمال الاسلام: ووقع لي جواب أخصر من هذا وأجود..؟! " ولا مراء في أن هذين النصين من تعليق بعض قراء النسخة على هامشها، فأدخلهما ناسخها أو طابعها في صلب الكتاب. وقد نقل ابن حزم - في الفصل 4 / 216 - قولا زعم أن الأشاعرة قالوه في كتبهم وهو: " أن الروح تنتقل عند خروجها من الجسم إلى جسم آخر "، وعقب عليه بقوله: " هكذا نص الباقلاني في أحد كتبه وأظنه الرسالة، المعروفة بالحرة. وهذا مذهب التناسخ بلا كلفة ". ولقد كذب على ابن حزم ظنه، فليس في رسالة الحرة ما يشير إلى هذا القول المزعوم من قريب أو بعيد، ولم يرد في رسالة الحرة - من حديث الروح - إلا قوله ص 45: " ويجب أن يعلم أن كل ما ورد به الشرع من عذاب القبر، وسؤال منكر ونكير، ورد الروح إلى الميت عند السؤال، ونصب الصراط والميزان، والحوض، والشفاعة للعصاة