وذلك: أنه جعل الخيال كالبرق لاشراقه في مسراه، كما يقال: إنه يسرى (1) كنسيم الصبا، فيطيب ما مر به، كذلك يضئ ما مر حوله، وينور ما مر به.
وهذا غلو في الصنعة، إلا أن ذكره " بطن / وجرة " حشو، وفى ذكره خلل، لان النور القليل يؤثر في بطون الأرض وما اطمأن منها، بخلاف ما يؤثر في غيرها، فلم يكن من سبيله أن يربط ذلك ببطن وجرة.
وتحديده المكان - على الحشو - أحمد من تحديد امرئ القيس من ذكر " سقط اللوى بين الدخول فحومل، فتوضح فالمقراة " لم يقنع بذكر حد، حتى حده بأربعة حدود، كأنه يريد بيع المنزل فيخشى - أن أخل بحد - أن يكون بيعه فاسدا أو شرطه باطلا!! فهذا باب.
ثم إنما يذكر (2) الخيال بخفاء الأثر، ودقة المطلب، ولطف المسلك، وهذا الذي ذكر يضاد هذا الوجه، ويخالف ما وضع (3) عليه أصل الباب.
ولا يجوز أن يقدر مقدر أن البحتري قطع الكلام الأول، وابتدأ بذكر برق لمع من ناحية حبيبه من جهة بطن وجرة، لان هذا القطع إن كان فعله كان خارجا به عن النظم المحمود، ولم يكن مبدعا، ثم كان (4) لا تكون فيه فائدة، لان كل برق شعل (5) وتكرر (6) وقع الاهتداء به في الظلام، وكان (7) لا يكون بما نظمه مفيدا ولا متقدما. / وهو على ما كان من مقصده فهو ذو لفظ محمود، ومعنى مستجلب (8) غير مقصود، ويعلم بمثله أنه طلب العبارات، وتعليق القول بالإشارات.
وهذا من الشعر الحسن (9)، الذي يحلو لفظه، وتقل فوائده، كقول القائل (10):
ولما قضينا من منى كل حاجة * ومسح بالأركان من هو ماسح