لكان ذلك بالغا (1) في إيجاب الحجة [عليه]، وتماما في إلزامه فرض المصير إليه.
ومما يؤكد هذا، أن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا الآحاد إلى الاسلام، محتجا عليهم بالقرآن، لأنا نعلم [ضرورة] أنه لم يلزمهم تصديقه تقليدا، ونعلم أن السابقين الأولين إلى الاسلام لم يقلدوه، إنما دخلوا على بصيرة. ولم نعلمه قال لهم: ارجعوا إلى جميع الفصحاء، فإن عجزوا عن الاتيان بمثله فقد ثبت حجتي.
بل لما رآهم يعلمون إعجازه، ألزمهم حكمه فقبلوه، وتابعوا الحق، وبادروا إليه مستسلمين، ولم يشكوا في صدقه، ولم يرتابوا في وجه دلالته.
فمن كانت بصيرته أقوى، ومعرفته أبلغ، كان إلى القبول منه / أسبق.
ومن اشتبه عليه وجه الاعجاز، أو خفى (2) عليه بعض شروط المعجزات وأدلة النبوات - كان أبطأ إلى القبول، حتى تكاملت أسبابه، واجتمعت له بصيرته وترادفت عليه مواده.
وهذا فصل يجب أن يتمم القول فيه [من] بعد، فليس هذا بموضع له.
ويبين ما قلناه: أن هذه الآية علم يلزم الكل قبوله والانقياد له، وقد علمنا تفاوت الناس في إدراكه، ومعرفة وجه دلالته، لان الأعجمي لا يعلم أنه معجز إلا بأن يعلم عجز العرب عنه. وهو يحتاج في معرفة ذلك إلى أمور لا يحتاج إليها من كان من أهل صنعة الفصاحة. فإذا عرف عجز أهل الصنعة حل محلهم، وجرى مجراهم في (3) توجه الحجة عليه.
وكذلك لا يعرف المتوسط من أهل اللسان، من هذا الشأن، ما يعرفه العالي في هذه الصنعة. فربما حل في ذلك محل الأعجمي، في أن لا تتوجه عليه الحجة حتى يعرف عجز المتناهي في الصنعة عنه.
وكذلك لا يعرف المتناهي في معرفة الشعر وحده، أو الغاية في معرفة الخطب أو الرسائل وحدهما - [من] غور هذا الشأن - ما يعرف من استكمل معرفة