فمنهم من يستهين بها (1) ويجعل ذلك سببا لتركه الاتيان بمثله.
ومنهم من يزعم أنه مفترى، فلذلك لا يأتي بمثله ومنهم من يزعم أنه دارس، وأنه أساطير الأولين.
وكرهنا أن نذكر كل آية تدل على تحديه، لئلا يقع التطويل.
ولو جاز أن يكون بعضه مكتوما لجاز على كله. ولو جاز أن يكون بعضه موضوعا لجاز ذلك في كله.
فثبت بما بيناه أنه تحداهم به، وأنهم لم يأتوا بمثله (2). وهذا الفصل قد بينا أن الجميع قد ذكروه وبنوا عليه.
/ فإذا ثبت هذا وجب أن يعلم بعده أن تركهم للاتيان بمثله كان لعجزهم عنه.
والذي يدل على أنهم كانوا عاجزين عن الاتيان بمثل القرآن: أنه تحداهم إليه حتى طال التحدي، وجعله دلالة على صدقه ونبوته، وضمن (3) أحكامه استباحة دمائهم وأموالهم وسبى ذريتهم، فلو كانوا يقدرون على تكذيبه لفعلوا، وتوصلوا إلى تخليص أنفسهم وأهليهم وأموالهم من حكمه، بأمر قريب، هو عادتهم في لسانهم، ومألوف من خطابهم، وكان ذلك يغنيهم عن تكلف القتال، وإكثار المراء والجدال، وعن الجلاء عن الأوطان، وعن تسليم الاهل والذرية للسبي.
فلما لم تحصل هناك معارضة منهم، علم أنهم عاجزون عنها.
يبين ذلك أن العدو يقصد لدفع قول (4) عدوه بكل ما قدر عليه من المكايد، لا سيما مع استعظامه ما بدهه بالمجئ من (5) خلع آلهته، وتسفيه رأيه في ديانته، وتضليل آبائه، والتغريب عليه بما جاء به، وإظهار أمر يوجب الانقياد لطاعته، والتصرف على حكم إرادته، والعدول عن إلفه وعادته، والانخراط، في سلك الاتباع بعد أن كان متبوعا، والتشييع بعد