يقول تعالى ذكره للمؤمنين: ها أنتم أيها الناس هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله يقول: تدعون إلى النفقة في جهاد أعداء الله ونصرة دينه فمنكم من يبخل بالنفقة فيه، وأدخلت ها في موضعين، لان العرب إذا أرادت التقريب جعلت المكني بين ها وبين ذا، فقالت: ها أنت ذا قائما، لان التقريب جواب الكلام، فربما أعادت ها مع ذا، وربما اجتزأت بالأولى، وقد حذفت الثانية، ولا يقدمون أنتم قبل ها، لان ها جواب فلا تقرب بها بعد الكلمة.
وقال بعض نحويي البصرة: جعل التنبيه في موضعين للتوكيد.
وقوله: ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه يقول تعالى ذكره: ومن يبخل بالنفقة في سبيل الله، فإنما يبخل عن بخل نفسه، لان نفسه لو كانت جوادا لم تبخل بالنفقة في سبيل الله، ولكن كانت تجود بها والله الغني وأنتم الفقراء يقول تعالى ذكره: ولا حاجة لله أيها الناس إلى أموالكم ولا نفقاتكم، لأنه الغني عن خلقه والخلق الفقراء إليه، وأنتم من خلقه، فأنتم الفقراء إليه، وإنما حضكم على النفقة في سبيله، ليكسبكم بذلك الجزيل من ثوابه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24334 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء قال: ليس بالله تعالى ذكره إليكم حاجة وأنتم أحوج إليه.
وقوله تعالى ذكره: وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم يقول تعالى ذكره: وإن تتولوا أيها الناس عن هذا الدين الذي جاءكم به محمد (ص)، فترتدوا راجعين عنه يستبدل قوما غيركم يقول: يهلككم ثم يجئ بقوم آخرين غيركم بدلا منكم يصدقون به، ويعملون بشرائعه ثم لا يكونوا أمثالكم يقول: ثم لا يبخلوا بما أمروا به من النفقة في سبيل الله، ولا يضيعون شيئا من حدود دينهم، ولكنهم يقومون بذلك كله على ما يؤمرون به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
24335 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم يقول: إن توليتم عن كتابي وطاعتي أستبدل قوما غيركم. قادر والله ربنا على ذلك على أن يهلكهم، ويأتي من بعدهم من هو خير منهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم قال: إن تولوا عن طاعة الله.