وقوله: أولئك في ضلال مبين يقول: هؤلاء الذين لم يجيبوا داعي الله فيصدقوا به، وبما دعاهم إليه من توحيد الله، والعمل بطاعته في جور عن قصد السبيل، وأخذ على غير استقامة، مبين: يقول: يبين لمن تأمله أنه ضلال، وأخذ على غير قصد. القول في تأويل قوله تعالى:
* (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شئ قدير) *.
يقول تعالى ذكره: أو لم ينظر هؤلاء المنكرون إحياء الله خلقه من بعد وفاتهم، وبعثه إياهم من قبورهم بعد بلائهم، القائلون لآبائهم وأمهاتهم أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي فلم يبعثوا بأبصار قلوبهم، فيروا ويعلموا أن الله الذي خلق السماوات السبع والأرض، فابتدعهن من غير شئ، ولم يعي بإنشائهن، فيعجز عن اختراعهن وإحداثهن بقادر على أن يحيي الموتى فيخرجهم من بعد بلائهم في قبورهم أحياء كهيئتهم قبل وفاتهم.
واختلف أهل العربية في وجه دخول الباء في قوله: بقادر فقال بعض نحويي البصرة: هذه الباء كالباء في قوله: كفى بالله وهو مثل تنبت بالدهن وقال بعض نحويي الكوفة: دخلت هذه الباء للم قال: والعرب تدخلها مع الجحود إذا كانت رافعة لما قبلها، وتدخلها إذا وقع عليها فعل يحتاج إلى اسمين مثل قولك: ما أظنك بقائم، وما أظن أنك بقائم، وما كنت بقائم، فإذا خلعت الباء نصبت الذي كانت تعمل فيه، بما تعمل فيه من الفعل، قال: ولو ألقيت الباء من قادر في هذا الموضع رفع، لأنه خبر لان، قال: وأنشدني بعضهم:
فما رجعت بخائبة ركاب * حكيم بن المسيب منتهاها