المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك، فأعتى الأعداء من عتا على الله في حرمه، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحول الجاهلية، فأنزل الله تبارك وتعالى: وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم وقال جل ثناؤه: أخرجتك، فأخرج الخبر عن القرية، فلذلك أنث، ثم قال: أهلكناهم، لان المعنى في قوله أخرجتك، ما وصفت من أنه أريد به أهل القرية، فأخرج الخبر مرة على اللفظ، ومرة على المعنى.
وقوله: فلا ناصر لهم فيه وجهان من التأويل: أحدهما أن يكون معناه، وإن كان قد نصب الناصر بالتبرئة، فلم يكن لهم ناصر، وذلك أن العرب قد تضمر كان أحيانا في مثل هذا. والآخر أن يكون معناه: فلا ناصر لهم الآن من عذاب الله ينصرهم. القول في تأويل قوله تعالى:
* (أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم) *.
يقول تعالى ذكره: أفمن كان على برهان وحجة وبيان من أمر ربه والعلم بوحدانيته، فهو يعبده على بصيرة منه، بأن له ربا يجازيه على طاعته إياه الجنة، وعلى إساءته ومعصيته إياه النار، كمن زين له سوء عمله يقول: كمن حسن له الشيطان قبيح عمله وسيئته، فأراه جميلا، فهو على العمل به مقيم، واتبعوا أهواءهم واتبعوا ما دعتهم إليه أنفسهم من معصية الله، وعبادة الأوثان من غير أن يكون عندهم بما يعملون من ذلك برهان وحجة. وقيل: إن الذي عني بقوله: أفمن كان على بينة من ربه نبينا عليه الصلاة والسلام، وإن الذي عني بقوله: كمن زين له سوء عمله هم المشركون. القول في تأويل قوله تعالى:
* (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم) *.
يقول تعالى ذكره: صفة الجنة التي وعدها المتقون، وهم الذين اتقوا في الدنيا عقابه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه فيها أنهار من ماء غير آسن يقول تعالى ذكره في هذه