وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي القول الذي قاله السدي من أن الرجل المؤمن كان من آل فرعون، قد أصغى لكلامه، واستمع منه ما قاله، وتوقف عن قتل موسى عند نهيه عن قتله، وقيله ما قال، وقال له: ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد، ولو كان إسرائيليا لكان حريا أن يعاجل هذا القائل له، ولملئه ما قال بالعقوبة على قوله، لأنه لم يكن يستنصح بني إسرائيل، لاعتداده إياهم أعداء له، فكيف بقوله عن قتل موسى لو وجد إليه سبيلا؟ ولكنه لما كان من ملا قومه، استمع قوله، وكف عما كان هم به في موسى.
وقوله: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله يقول: أتقتلون أيها القوم موسى لان يقول ربي الله؟ فأن في موضع نصب لما وصفت. وقد جاءكم بالبينات يقول: وقد جاءكم بالآيات الواضحات على حقيقة ما يقول من ذلك، وتلك البينات من الآيات يده وعصاه، كما:
23384 حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق وقد جاءكم بالبينات من ربكم بعصاه وبيده.
وقوله: وإن يك كاذبا فعليه كذبه يقول: وإن يك موسى كاذبا في قيله: إن الله أرسله إليكم يأمركم بعبادته، وترك دينكم الذي أنتم عليه، فإنما إثم كذبه عليه دونكم وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم يقول: وإن يك صادقا في قيله ذلك، أصابكم الذي وعدكم من العقوبة على مقامكم على الدين الذي أنتم عليه مقيمون، فلا حاجة بكم إلى قتله، فتزيدوا ربكم بذلك إلى سخطه عليكم بكفركم سخطا إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب يقول: إن الله لا يوفق للحق من هو متعد إلى فعل ما ليس له فعله، كذاب عليه يكذب، ويقول عليه الباطل وغير الحق.
وقد اختلف أهل التأويل في معنى الاسراف الذي ذكره المؤمن في هذا الموضع، فقال بعضهم: عني به الشرك، وأراد: إن الله لا يهدي من هو مشرك به مفتر عليه. ذكر من قال ذلك:
23385 حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب: مشرك أسرف على نفسه بالشرك.