وقوله: أولئك ينادون من مكان بعيد اختلف أهل التأويل في معناه، فقال بعضهم: معنى ذلك: تشبيه من الله جل ثناؤه، لعمى قلوبهم عن فهم ما أنزل في القرآن من حججه ومواعظه ببعيد، فهم سامع مع صوت من بعيد نودي، فلم يفهم ما نودي، كقول العرب للرجل القليل الفهم: إنك لتنادى من بعيد، وكقولهم للفهم: إنك لتأخذ الأمور من قريب. ذكر من قال ذلك:
23615 حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن بعض أصحابه، عن مجاهد أولئك ينادون من مكان بعيد قال: بعيد من قلوبهم.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج عن مجاهد، بنحوه.
23616 حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
أولئك ينادون من مكان بعيد قال: ضيعوا أن يقبلوا الامر من قريب، يتوبون ويؤمنون، فيقبل منهم، فأبوا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنهم ينادون يوم القيامة من مكان بعيد منهم بأشنع أسمائهم. ذكر من قال ذلك:
23617 حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن أجلح، عن الضحاك بن مزاحم أولئك ينادون من مكان بعيد قال: ينادى الرجل بأشنع اسمه.
واختلف أهل العربية في موضع تمام قوله: إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم فقال بعضهم: تمامه: أولئك ينادون من مكان بعيد وجعل قائلو هذا القول خبر إن الذين كفروا بالذكر أولئك ينادون من مكان بعيد وقال بعض نحويي البصرة:
ذلك ويجوز أن يكون على الاخبار التي في القرآن يستغنى بها، كما استغنت أشياء عن الخبر إذا قال الكلام، وعرف المعنى، نحو قوله: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض وما أشبه ذلك.