القدس عليك، أو ذلك الملك العظيم (بالرغم من أننا لم نر كلمة (أوحينا) لهذا المعنى في الآيات القرآنية الأخرى). ويؤيد ذلك بعض الروايات المذكورة في مصادر الحديث المعروفة، ولكن - كما قلنا - فإن التفسير الأول ملاءمة مع الآية لوجود القرائن المتعددة، لذا يمكن أن تكون مثل هذه الروايات التي تفسر الروح بمعنى روح القدس أو الملك المقرب من الخالق، إشارد إلى المعنى الباطني للآية.
على أية حال، فإن الآية تضيف: ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا.
فهذا هو اللطف الإلهي الذي شملك أنزل عليك هذا الوحي السماوي وآمنت بكل ما يحتويه.
فالإرادة الإلهية كانت تقتضي أن يهدي عباده الآخرين في ظل هذا النور السماوي، وأن يشمل الشرق والغرب - بل وجميع القرون والأعصار حتى النهاية - إضافة إلى هدايتك أنت إلى هذا الكتاب السماوي الكبير وتعليماته.
بعض المنحرفين فكريا كانوا يتصورون أن هذه الجملة تبين أن الرسول لم يكن يؤمن بالله قبل نبوته، في حين أن معنى الآية واضح، حيث أنها تقول: إنك لم تكن تعرف القرآن قبل نزوله ولم تكن تعرف تعليماته وتؤمن به وهذا لا يتعارض أبدا مع اعتقاد الرسول التوحيدي ومعرفته العالية بأصول العبادة لله وعبوديته له.
والخلاصة، إن عدم معرفة محتوى القرآن يختلف عن موضوع عدم معرفة الله.
فحياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل مرحلة النبوة والواردة في كتب التاريخ، تعتبر دليلا حيا على هذا المعنى. والأوضح من ذلك ما ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في نهج البلاغة: " وقد قرن الله به من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره " (1).
وتضيف الآية في نهايتها: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم.