الله عندما يصيبه الضر ويتعرض للشدائد. لكن هذا اللجوء مؤقت، إذ ما إن يتفضل عليه البارئ عز وجل ويكشف عنه الضر والشدائد، حتى يتبجح ناكرا لهذه النعم، وزاعما بأنه هو الذي أنقذ نفسه من ذلك الضر ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم (1).
نظير هذا الكلام نقله القرآن في الآية (78) من سورة القصص عن لسان " قارون " عندما نصحه علماء بني إسرائيل بأن ينفق مما من الله به عليه في سبيل الله، إذ قال: إنما أوتيته على علم عندي.
إن أمثال هؤلاء الغافلين لا يتصورون أن العلوم والمعارف التي يمتلكها الإنسان إنما هي نعمة إلهية، فهل أن هؤلاء اكتسبوا العلم الذي كان يدر عليهم الأموال الطائلة من ذاتهم؟ أم أنه كان في ذاتهم منذ الأزل؟
بعض المفسرين ذكروا احتمالا آخر لتفسير هذه العبارة، وقالوا: إن النعم التي من بها البارئ عز وجل علينا إنما من بها علينا لعلمه بلياقتنا واستحقاقنا لها.
ومع أن هذا الاحتمال وارد بشأن الآية مورد بحثنا، لكنه غير وارد بشأن الآية الآنفة التي تحدثت عن قارون، خاصة مع وجود كلمة (عندي) وهذه أحد القرائن لترجيح التفسير الأول للآية التي هي مورد البحث.
ثم يجيب القرآن الكريم على أمثال هؤلاء المغرورين، الذين ينسون أنفسهم وخالقهم بمجرد زوال المحنة وتوفر النعمة، قائلا: بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون.
فالهدف من ابتلائهم بالحوادث الشديدة والصعبة، ومن ثم إغداق النعم الكبيرة عليهم هو اظهار خباياهم والكشف عن بواطنهم.