على كل حال، ففي قبال ذلك الطلب الذي يطلبه أولئك من الله سبحانه وتعالى، يصدر رد قاطع عنه سبحانه وتعالى حيث يقول: أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فإذا لم تنتفعوا بكل ما توفر بين أيديكم من وسائل النجاة تلك ومن كل الفرص الكافية المتاحة فذوقوا فما للظالمين من نصير.
هذه الآية تصرح: لم يكن ينقصكم شئ، لأن الفرصة أتيحت لكم بما يكفي، وقد جاءتكم نذر الله بالقدر الكافي، وبتحقق هذين الركنين يحصل الانتباه والنجاة، وعليه فليس لكم أي عذر، فلو لم تكن لكم المهلة كافية لكان لكم العذر، ولو كانت لكم مهلة كافية ولم يأتكم نذير ومرشد ومعلم فكذلك لكم العذر، ولكن بوجود ذينك الركنين فما هو العذر؟!
" نذير " عادة ترد في الآيات القرآنية للإشارة إلى وجود الأنبياء، وبالأخص نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن بعض المفسرين ذكروا لهذه الكلمة هنا معنى أوسع، بحيث تشمل الأنبياء والكتب السماوية والحوادث الداعية إلى الانتباه كموت الأصدقاء والأقرباء، والشيخوخة والعجز، وكما يقول الشاعر:
رأيت الشيب من نذر المنايا * لصاحبه وحسبك من نذير (1) من الجدير بالملاحظة أيضا أنه قد ورد في بعض الروايات أن هناك حدا من العمر يعتبر إنذارا وتذكيرا للإنسان، وذلك بتعبيرات مختلفة، فمثلا في حديث عن ابن عباس مرفوعا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " من عمره الله ستين سنة فقد أعذر إليه " (2).
وعن أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام أنه قال: " العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة " (3).