وتنتقل الآية التالية إلى وصف نوع آخر من العذاب الأليم، وتشير إلى بعض النقاط الحساسة في هذا الخصوص، فتقول الآية الكريمة: وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل (1).
نعم، فهم بمشاهدة نتائج أعمالهم السيئة، يغرقون في ندم عميق، ويصرخون من أعماق قلوبهم ويطلبون المحال، العودة إلى الدنيا للقيام بالأعمال الصالحة.
التعبير ب " صالحا " بصيغة النكرة إشارة إلى أنهم لم يعملوا أقل القليل من العمل الصالح، ولازم هذا المعنى أن كل هذا العذاب والألم إنما هو لمن لم تكن لهم أية رابطة مع الله سبحانه في حياتهم، وكانوا غرقى في المعاصي والذنوب، وعليه فإن القيام بقسم من الأعمال الصالحة أيضا يمكن أن يكون سببا في نجاتهم.
التعبير بالفعل المضارع " نعمل " أيضا له ذلك الإشعاع، ويؤيد هذا المعنى، وهو تأكيد أيضا على " أننا كنا مستغرقين في الأعمال الطالحة ".
قال بعض المفسرين: إن الربط بين وصف " صالحا " واللاحق لها " كنا نعمل " يثير نكتة لطيفة، وهي أن المعنى هو " إننا كنا نعمل الأعمال التي عملنا بناء على تزيين هوى النفس والشيطان، وكنا نتوهم أنها أعمال صالحة، والآن قررنا أن نعود ونعمل أعمالا صالحة في حقيقتها غير التي ارتكبناها ".
نعم فالمذنب في بادئ الأمر - وطبق قانون الفطرة السليمة - يشعر ويشخص قباحة أعماله، ولكنه قليلا قليلا يتطبع على ذلك فتقل في نظره قباحة العمل، ويتوغل أبعد من ذلك فيرى القبيح جميلا، كما يقول القرآن الكريم: زين لهم سوء أعمالهم. (2) وفي مكان آخر يقول تعالى: وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. (3)