يسأل آخر: هل تناولت الطعام، فيجيبه: نعم. فالسائل يفهم من الكلام أنه تناول الطعام اليوم، في حين أن قصد المجيب هو أنه تناول الطعام يوم أمس.
مسألة هل أن التورية كذب أم لا؟ مطروحة في الكتب الفقهية، فمجموعة من كبار العلماء ومنهم الشيخ الأنصاري رضوان الله عليه يعتقدون أن التورية ليست كذبا، فلا العرف ولا الروايات تعدها كذبا، وإنما وردت بشأنها روايات تنفي عنها صفة الكذب، إذ قال الإمام الصادق (عليه السلام): " الرجل يستأذن عليه فيقول للجارية قولي ليس هو هاهنا. فقال (عليه السلام): لا بأس ليس بكذب " (1).
والحق هو لزوم القول بالتفصيل، ولابد من وضع ضابطة كلية: فإذا كان للفظ في اللغة والعرف معنيان، والمخاطب تصور معنى خاصا من تلك الكلمة، في حين أن المتحدث يقصد معنى آخر، مثل هذا يعد تورية وليس بكذب، حيث يستخدم لفظ مشترك المعاني يفهم منه المخاطب شيئا، في حين أن المتحدث يقصد منه معنى آخر.
وعلى سبيل المثال، جاء في شرح حال " سعيد بن جبير "، أن الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي سأل سعيد بالقول: ما هو تقييمك لي، فأجابه سعيد: إنك (عادل)، ففرح جلاوزة الحجاج، في حين قال الحجاج: إنه بكلامه هذا كفرني، لأن أحد معاني (العادل) هو العدول من الحق إلى الباطل.
أما إذا كان للفظ معنى لغوي وعرفي واحد من حيث المفهوم، والمتحدث يترك المعنى الحقيقي ويستخدمه كمعنى مجازي من دون أن يذكر قرائن المجاز، فمثل هذه التورية - من دون أي شك - حرام، ولربما تمكنا بهذا التفصيل الجمع بين آراء مختلف الفقهاء.
ولكن، يجب الانتباه إلى أنه في بعض الأحيان حتى في الموارد التي لا تكون فيها التورية مصداقا للكذب، تكون للتورية أحيانا مفاسد ومضار وإيقاع الناس